في كثير من الأحيان حتى الرسل عليهم الصلاة والسلام يستبطئون النصر، فيقولون: متى نصر الله؟ وهنا يأتي نصر الله.
فعلى الإنسان ألا يتعجل، وأن يدرك أن العاقل ينبغي أن يعرف سنن الله تعالى في الكون، ويعمل وفق هذه السنن, حتى يصل إلى النتيجة التي يريد, فكل شيء له سبب, فما لم تفعل الأسباب، لا تطمع في حصول النتيجة، وإن كنا نعلم يقيناً أن الله تعالى قادر على كل شيء, وإذا فعلت ما تستطيع كفاك الله ما لا تستطيع, ولهذا قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] أما ما لا تستطيعون فالله تعالى يمدكم بجند من عنده، ويمددكم بروح من عنده.
ولهذا جاء في الصحيح؛ من حديث خباب رضي الله عنه قال: {شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة} الصحابة رضي الله عنهم ضاقوا من الإيذاء والاضطهاد، ومن التكذيب والتعذيب, وقريش مهيمنة، وليست قريشاً فقط؛ بل الدنيا كلها من وراء قريش، فارس والروم والدول الكبرى كلهم مجمعون على حرب الرسول صلى الله عليه وسلم وحفنة من المؤمنين معه, فضاقت عليهم السبل، فجاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع متوسداً بردة, قالوا: {يا رسول الله! ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فقعد النبي صلى الله عليه وسلم واحمرّ وجهه} .
فلم يكن احمرار وجهه عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم طلبوا منه الدعاء فإنه كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً, فإذا طلبوا منه الدعاء أسرع إليه واستغفر لهم, كما قال الله عز وجل: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103] لم يكن احمرار وجهه عليه الصلاة والسلام ولا غضبه؛ لأنهم قالوا له: ادعُ لنا, إنما لأنه أحس عليه الصلاة والسلام من قولهم: ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ بأن القوم قد استبطئوا الأمر, واستثقلوه, وضاقت عليهم السبل, وضاقت صدورهم, فقال: {إن من كان قبلكم كان يؤتى بالرجل منهم فينشر بالمنشار من دون عظمه ولحمه وعصبه, ويحفر للواحد منهم في الأرض فيجعل فيها ويشق إلى نصفين ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر} إذاً الكلام الأول أثبت النبي صلى الله عليه وسلم فيه قضية السنة الإلهية.
السنن الإلهية كائنة على الجميع, فالشمس تشرق على المسلمين والكفار, وتغرب عن المسلمين والكفار، ليست بلاد المسلمين خاصة لها شمس لا تغيب عنها أبداً! السنة الإلهية ماضية على الجميع, فبين النبي صلى الله عليه وسلم السنة، ثم قال مبيناً مستقبل هذا الدين وأن النصر في النهاية للمؤمنين الصابرين: {والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون} .
وزاد في رواية: {وهو صلى الله عليه وسلم متوسد بردة وقد لقينا من المشركين شدة} إذاً: هم ضاقوا من مضايقة، وضاقوا من بلاء نزل بهم, ضاقوا من إيذاء، ومن اضطهاد ومن تعذيب ومن تكذيب فجاءوا، وقالوا: يا رسول الله! ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فقال: على رِسلِكم.
فالمستقبل للإسلام, الإسلام منصور, أنا وأنت، والثاني والثالث، والأمم والدول، والأسماء والرايات، واللافتات تذهب وتجيء, كم مضى منذ وجد الإسلام؟ منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم؟ كم مضى من أمة ومن اسم ومن شعار والإسلام باقٍ؟!! والذي يريد أن يواجه الإسلام -يحارب الإسلام- هذا مسكين! فهو كصبي صغير يريد أن يواجه السيل الجارف بيده, أو كإنسان يريد أن يحجب أشعة الشمس بيده الضعيفة! أتطفئ نور الله نفخة فاجر تعالى الذي بالكبرياء تفردا نور الله تعالى لا يمكن أن يطفئه أحد, قال تعالى: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8] .
وهذا الدين هو روح هذه الأمة وهو حياتها وسر بقائها، ووجودها, وهي للإسلام مهما غضب الغاضبون, وأرغوا وزمجروا وأزبدوا! هذه الأمة أمة الإسلام! فالذي يريد أن يقضي على الإسلام عليه أن يقضي على هذه الأمة, وهل يستطيع أن يقضي على هذه الأمة؟! هيهات هيهات! لا يستطيع، ونقول: محال, لماذا؟ لأن هذه الأمة موعودة بالبقاء, وليس بالبقاء فقط؛ بل موعودة بالسناء والنصر والتمكين, ولا يزال الله تعالى يغرس لهذا الدين غرساً يستعمله في طاعته, والعزة لهذا الدين، لا يترك الله عز وجل بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله تعالى الإسلام, بعز عزيز أو بذل ذليل, عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل به الكفر.
إذاً: أمة الإسلام باقية، والإسلام باقٍ, والقرون التي مضت؛ مضى من هو أشد منهم قوة, وأكثر منهم بطشاً وأشد منهم بأساً وأكثر طغياناً، ومع ذلك مضوا وبقي الإسلام.
كم دفن الناس من طاغية؟! كم دفنوا من محارب لله ورسوله؟! كم دفنوا من عدو للإسلام؟! كم دفنوا من ملحد؟ من زنديق؟ من محارب فـ هولاكو مضى! وجنكيز خان مضى! أولئك كلهم مضوا، وقرون بين ذلك كثيرة مضت وبقي الإسلام شامخاً, لأنه دين الله عز وجل؛ موصولة جذوره وضاربة في الأرض وفروعه في السماء قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:24-25] هذا مثل الكلمة الطيبة، ولا إله إلا الله هي الكلمة الطيبة.
فالابتلاء وارد, قد يؤذى المؤمنون، وقد يضعفون في وقت من الأوقات، وهذه سنة الله عز وجل كما حصل وكما عرف، لكن في النهاية النصر مع الصبر, وكم من أمة عاشت ما عاشه المسلمون في هذا الوقت؟ اليهود الآن لهم تمكين في دولة إسرائيل، ولهم نفوذ في الغرب في أمريكا وغيرها وفي الشرق -أيضاً- وقد أصبح اليهود يأتون إلى إسرائيل من روسيا مئات الألوف من المهاجرين, ويتجمعون, ولا شك أنها دولة تملك من القوة ما تملك, لكن! تساءل يا أخي الكريم! كم مضى على اليهود وهم مشردون مطرودون في الدنيا؟ مضى عليهم قرون طويلة واليهود كانوا أقليات تطارد في كل بلد, ولعلكم تسمعون ما يشاع عن هتلر في ألمانيا وماذا صنع باليهود, وقد يكون بعض ما قيل مبالغة لكن له أصل.
اليهود عاشوا كما أخبر الله تعالى عنهم {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران:112] , عاشوا قروناً طويلة في غاية الذل، ومع ذلك -الآن- أعطوا بعض التمكين المؤقت، ومثلهم الرافضة الباطنية عاشوا أزمنة طويلة وهم أقليات مضطهدة مشردة, والآن قامت لهم دول تحميهم.
هذه هي القضية الأولى التي يجب أن تكون واضحة في أذهاننا، وهي: أن من أراد أن يقارن بين الإسلام والكفر, فعليه أن يستحضر كل هذه المقارنات، حتى يعتدل الميزان في نظره.