الصورة الأولى: صورة العزلة والانقطاع عن العمل، وعن الدعوة، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقول كلمة الحق بحجة أن هذا العمل غير مثمر, وأن الذي يقوم بهذا العمل هو كالذي يحرث في البحر -كما يقولون- حتى يتمثل أحدهم بقول الشاعر: لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رمادِ حتى سمعت بعض اليائسين يقول: هؤلاء الناس وهذا الجيل، لا أمل فيه إلا بطوفان يكتسحه ثم يأتي الله تعالى بجيل من عنده, هذا كلام غير صحيح بحال من الأحوال, هذا كلام النفوس الضعيفة, وكلام القلوب التي ما أشرق عليها نور الإيمان, وما أشرق عليها نور الوعد الإلهي بنصر المؤمنين.
معي الأمة خير كثير, وفي الأمة قوة وعزة وإيمان، تحتاج -فقط- إلى أن ينفخ هذا الغبار، حتى ينصقل قلب المؤمن وتظهر الأمة على حقيقتها.
في الواقع أن هذه الأمة أمة خير أمة جهاد، أمة بركة، أمة علم وتعليم, ألم تر إلى هذه الأمة وقد أصبحت لا ترضى بالعلماء بديلاً؟! هذا لا يدل إلا على أنها أمة الدعوة والعلم والجهاد, حتى البعثي اليوم أصبح لا يقول: أنا بعثي واشتراكي, ولا يقول: حزب البعث العربي الإشتراكي, إنما أصبح يرفع راية الإسلام ويلبس لبوسه ويتكلم بقضايا الجهاد, لماذا؟ لأنه رأى أن الإسلام هو العملة الرائجة -كما يقال- وأنه لا يحرك الشارع إلا الإسلام, ورأى أن الشعارات كلها تآكلت وانتهت, فأصبح العلماني الذي كان بالأمس لا يجيد إلا فن الغناء والطرب واللهو والكلام الفارغ, أصبح يتكلم قال الله قال رسول الله رواه البخاري رواه مسلم متفق عليه صححه الألباني!.
وأصبح الذي كان بالأمس بعثياً يحارب الله ورسوله، أصبح لا يقول: حزب البعث العربي الإشتراكي, إنما يعلن الجهاد المقدس والحرب بين المسلمين والكفار، ومثل ذلك, فعلى ماذا يدل هذا؟! يدل على أن الجميع عرفوا أن هذه الأمة هي أمة الدعوة وأمة الجهاد, أنها أمة الإسلام بدءاً وانتهاءً، ولهذا أصبحوا يخادعونها على هذا الدين, وكل واحد منهم يرفع الإسلام، يريد أن تعطيه الأمة شهادة حسن سيرة وسلوك.
إذاً: الأمة فيها خير كثير، وعندها استعداد كبير، ووعد الله تعالى بها، ووعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، لا يزال قائماً أبداً, ولا ينبغي للإنسان أن يغفل أو ينخدع عن هذا الأمر, فكثيراً ما نسمع التهويل من شأن الناس, وشأن الأمة, وأن هؤلاء دهماء وما أشبه ذلك! لا يا أخي! هؤلاء المسلمون الواحد منهم له عند الله تعالى أعظم المنزلة؛ لأنه من أهل لا إله إلا الله, إذا كان لم يأت بما ينقضها, فهو من الموعودين بالجنة, وكلمته لها ثقل, ودعوته تفتح لها أبواب السماء, وله ثقل في الدنيا وفي الآخرة، وفي السماء والأرض.
إذاً: من الناس من آثر العزلة عن هذا الواقع, وقال: هذا واقع لا خير فيه! مع أنه يرى بعينه ثمرة العمل, وأن الذين عملوا وجدوا واجتهدوا ودعوا، وجدوا، واستجاب الناس لهم بل حتى من الكفار، وجدنا من تقبل الدعوة إلى الله تعالى, فضلاً عن المسلمين، وما قام داعٍ إلى الله تعالى مهما كان أسلوبه غير مناسب, ومهما كان عنده من النقص ومهما كان عنده من الخطأ, ما قام داعٍ إلى الله تعالى في بلد إسلامي، ثم ظل وحده أبداً مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن الأمم السابقة فقال: {يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان ويأتي النبي وليس معه أحد} الحديث.
إذاً: هذه الأمة أمة مُجرَبةٌ، أنها تملك الاستعداد، وأنها تملك قلوباً حية متى سمعت المنادي الصادق, متى سمعت الحق, قالت: لبيك لبيك هاأنا بين يديك.