الصورة الثانية: ومن الناس من أوصله اليأس إلى شيء آخر، وهي تلك الحركات العشوائية الطائشة التي لا تفقه سنن الله تعالى في خلقه, فتريد أن تبذر الزرع وتسقيه لينبت ويستوي ويثمر ويحصد في ساعة واحدة, وهذا لا يكون في الدنيا إنما يكون في الجنة فقط!! كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: {أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع, فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكون بذره واستواؤه واستحصاده في لحظة واحدة, فقال رجل من الأعراب عند الرسول صلى الله عليه وسلم والله يا رسول الله! لا تجد هذا الرجل الذي استأذن ربه أن يزرع في الجنة إلا قرشياً أو أنصارياً, لأنهم هم أهل الزرع، فأما نحن فأهل ماشية} .
فالله تعالى وضع في الدنيا سنناً لا بد أن تمشي وفق هذه السنن الإلهية, فالعمل لا بد أن يأخذ مجراه الطبيعي، تدرجه الطبيعي، ينتقل المسلمون تدريجياً وفق سنن مرسومةٍ وطريقة واضحة, أما تعجل الخطوات والارتباك والطيش والتعجل، فهذا لا يمكن أن ينفع إنما ينفع الأعداء فقط! فمثلاً: كثير من المسلمين يخيل إليهم أن المسلمين يجب أن يتجاوزا كل هذه الأمور، وأنه بين يوم وليلة سوف يتحقق لهم نصر للإسلام ساحق لا يخطر في بالهم! هذا لا يكون, وإن كان الله تعالى على كل شيء قدير، لكن السنن الإلهية ماضية والتدرج قائم, ومن الممكن جداً أن ينتقل المسلمون من الوضع السيئ الذي يعيشونه اليوم إلى وضع أحسن, وأن يتيح الله لهم أمماً ودولاً من الكفار يستطيعون أن يتعاملوا معها، ويستفيد المسلمون من التناقض الموجود بينها, بمعنى: أنه لو ظهر على مسرح الأحداث بعد حين مجموعة من الأمم الكافرة كالألمان والصين واليابان وغيرهم وأصبحوا يتنافسون على مراكز الصدارة في هذه الدنيا؛ لاستطاع المسلمون أن يستفيدوا من هذا التنافس في تحقيق نصر لهم, وبعد فترة أخرى الله أعلم بها يمكن أن يحقق المسلمون حضارة قوية وعلماً وتعليماً، ويكون لهم ريادة في هذه الحياة.
أما تصور أن الأمور تأتي ارتجالاً هكذا وبصورة عفوية وعشوائية؛ فهذا مناقض ومخالف للسنن التي ركبها الله تعالى في الكون, قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:114] يقولونه استبطاءً طال عليهم الأمر, حتى وهم الرسل الذين فقهوا سنة الله عز وجل استبطئوا النصر، وقالوا: متى نصر الله؟ فهنا يأتي نصر الله كما قال جل شأنه: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214] .
حتى وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف:110] .