المقارنة بتعدد الأنصار

هناك مقارنة أخرى أيضاً تجعل الميزان يعتدل في حس المسلم وهي: المقارنة مع الملأ الأعلى- مع الملائكة- فإن الإنسان قد ينظر في أنصار الباطل فيجد هذا الزبد الطافي الذي يجرفه السيل من المصفقين للباطل في كل مكان! قد يقول لك: عدد الكفار عدد النصارى عدد اليهود عدد الكافرين والمشركين أعداد هائلة وكبيرة لا يحصيهم إلا الله عز وجل, وإذا قستهم بعدد المسلمين -حتى المسلمين اسماً- وجدت أنهم قلة، قد لا تصل إلى نسبة (25%) نسبة المسلمين في الدنيا, مع أن هذا الرقم الإحصائي -إحصائية المسلمين- فيها المسلم الحقيقي وفيها المسلم على الورق كما يقال.

فيقول لك: عدد الكفار إذاً أعداد هائلة وكبيرة وكثيرة وخطيرة, فكيف والمسلمون قلة، وهم أيضاً في داخلهم الدخن، وداخلهم من ينتسب إلى الإسلام وليس منه وفيهم وفيهم! فنقول: لا يجوز هذا القياس وهذه المقارنة؛ لأنها غير عادلة ولا صحيحة.

فأنت إذا كنت تنظر في جنود الله عز وجل، فيجب ألا تستبعد من حسابك نوعاً من الجنود، وهم الملأ الأعلى (الملائكة) إن كان أنصار الباطل يشكلون في هذه الدنيا كذا ألف مليون في الدنيا، فانظر في أنصار الحق الذين يسخرهم الله تعالى لئلا ترهبك هذه الكثرة والسطوة, وأنت تعلم عدد أنصار دين الله تعالى.

انظر على سبيل المثل إلى الملائكة في السماء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في مستدرك الحاكم وعند ابن جرير في التفسير، وابن المنذر، وصححه الحاكم، وذكره البيهقي في شعب الإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم: {إن البيت المعمور في السماء السابعة} كما قال الله تعالى: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} [الطور:1-4] , {البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة} , فإذا كنت ممن يؤمن بما يخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم -وأنت كذلك بحمد الله- فعليك أن تجري عملية حسابية بالأرقام, كل يوم سبعون ألف ملك, ففي الشهر أكثر من مليونين ومائة ألف ملك هذا في الشهر الواحد, فإذا حسبت في السنة كم يدخله؟ احسب في عشر سنوات، أو مائة سنة، أو ألف سنة أو في عشرة آلاف سنة!! كم مضى من الدنيا؟ وكم بقي؟ الله أعلم! فلو تصورنا -مثلاً- مائة ألف سنة والله تعالى أعلم، فهذا الأمر لا يعلمه إلا الله.

أما حسابات البشر فهي حسابات مجرد تخمين وإلا فالله عز وجل أعلم, كالذين يأتون إلى صخرة أو إلى جذع شجرة، فإننا رأينا بعض جذوع الأشجار في بعض البلاد مكتوب عليها (عمر هذه الشجرة عشرة آلاف سنة) وهذه الصخرة عمرها (خمسون ألف سنة) وهذه كلها تخمينات، وإلا فالله عز وجل يقول: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف:51] .

المهم: لو تصورنا الدنيا كم هي من ألف سنة, ثم تصورنا في كل يوم سبعون ألف ملك يدخلون في البيت المعمور, فكم عدد الملائكة الذين دخلوا البيت المعمور؟! {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:31] .

وفي الحديث الآخر أيضاً الذي رواه الترمذي وصححه، ورواه أيضاً ابن ماجة وأحمد حديث أبي ذر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيه ملك واضع جبهته لله عز وجل أو راكع أو ساجد} والأطيط هو: أزيز وصرير الرحل من ثقل الراكب.

السماوات السبع، ولا يعلم مدى السماوات السبع إلا الله عز وجل الذي خلقهن, ومع ذلك كل موضع في السماوات فيه ملك راكعٌ أو ساجدٌ لله عز وجل، يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت, سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت.

فتصور! هؤلاء الملائكة كلهم من أنصار الحق، وكلهم من جنود الله عز وجل الذين وصف الله تعالى طائفة منهم وهم خزنة النار بقوله: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] إذاً الله تعالى أقدرهم على أن يفعلوا كل ما كلفوا به من لدنه سبحانه, قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12] هؤلاء كلهم مجندون لنصرة الحق والدفاع عنه وخذلان الباطل والزلزلة بأهله, ولهذا لما كان في الخندق، ورد الله تعالى الذين كفروا بغيضهم لم ينالوا خيراً جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قد وضع سلاحه يريد أن يغتسل ويزيل عنه غبار المعركة, فقال: {أو قد وضعت السلاح؟ قال: نعم، قال جبريل: أما نحن فوالله ما وضعنا السلاح بعد.

فأشار النبي صلى الله عليه وسلم: إلى أين؟ فأشار جبريل بيده صوب بني قريظة قال: اذهب إلى بني قريظة فإني ذاهب إليهم فمزلزل بهم} .

إذاً إذا أردت المقارنة لا تقل عدد المؤمنين كذا وعدد اليهود كذا وعدد النصارى كذا! لا بد أن تضم إلى عدد المسلمين الصادقين نوعاً من المؤمنين وهم الملائكة.

بل ومع ذلك تذكر أن لله عز وجل مخلوقات أخرى غير الإنس وهم الجن, وفيهم المؤمنون وفيهم من يكون أحسن وأفضل وأتقى من بعض الإنس, كما ذكر الله تعالى عنهم في كتابه: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} [الجن:1-2] , ولما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الرحمن: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13] كانوا أحسن ردوداً من الإنس، فقالوا: [[ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ولك الحمد]] .

وكذلك أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن هؤلاء الجن استمعوا القرآن فآمنوا، قال تعالى: {فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29] أي: يدعون إلى الله تعالى ويبشرون بالرسالة الخاتمة.

إذاً، لا يجوز أن تعقد مقارنة بين عدد المسلمين مثلاً وعدد اليهود والنصارى, وتقول: معنى ذلك أن عدد الكفار أكثر , وتنسى أن هناك جنوداً لا يعلمها ولا يحصيها إلا الله عز وجل، وكل هؤلاء مجندون لنصرة الحق متى وجد البشر المكلفون الذين يقومون به حق القيام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015