إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه الطيبين الطاهرين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الأحبة الكرام! فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وشكر الله لأخي الحبيب فضيلة الدكتور عبد الله الطيار وبقية المشايخ الأكارم الذين استضافوني في هذا اللقاء الطيب, وتسببوا في هذا الاجتماع المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يكتب أجر هذا الاجتماع لي ولهم ولكم أجمعين إنه على كل شيء قدير.
إخوتي الكرام! عنوان هذه المحاضرة هو جزء من آية في كتاب الله عز وجل {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214] والحديث حول هذا الموضوع حديث شيق من جهة، خاصة في مثل هذه الظروف الصعبة التي تعيشها الأمة؛ فإن كل مسلم يتطلع إلى نصر الله عز وجل لأوليائه وللمؤمنين العاملين المجاهدين، الذين يرفعون راية الإسلام, لا يريدون إلا وجه الله عز وجل.
كما أن الحديث عن مثل هذا الموضوع أيضاً حديث يطول؛ فإن هذه الآية تطوي في معناها الحياة الدنيا كلها, فإن مسرح الحياة وليس مسرح الأحداث أو مسرح العمليات فحسب, إن مسرح الحياة كلها هو المجال العملي لتطبيق هذا المعنى القرآني الذي أثبته الله تعالى في كتابه {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214] .
فكل لحظة من تاريخنا، وكل ذرة من ترابنا، وكل كلمة في حياتنا تقول ما تقوله هذه الآية، وتؤكد هذا المعنى أن نصر الله تعالى قريب, ونصر الله تعالى له صور كثيرة شتى, النصر في الميدان العسكري هو أحد معانيها، وهناك ألوان وألوان من هذا الانتصار قد لا يعيها الإنسان ولا يدركها.
ولعل الآيات التي عشنا معها ونحن نؤدي هذه الفريضة العظيمة (صلاة المغرب) هي نموذج للنصر الذي يمنحه الله تعالى لأوليائه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10] , وأي نصر في الدنيا أعظم من أن يفتن الإنسان ويبتلى في دينه فيصبر صبراً تعجز عنه الجبال الراسيات! وأي صبر أعظم وأكبر من أن تأتي المرأة -وفي المرأة ما فيها من الرقة والحنان، وفيها ما فيها من العطف والحنو على أطفالها- تحمل رضيعها على كتفها فلما تقبل على النار التي أوقدها أصحاب الأخدود يحدث عندها بعض التردد فيُنطِق الله تعالى، الذي أنطق كل شيء، يُنطِق رضيعها الصغير فيقول: يا أماه اصبري فإنك على الحق! هذا هو النصر العظيم, هذا هو النصر المبين!! إذا، ً النصر الذي وعد الله تبارك وتعالى به المؤمنين له صور شتى، وله ألوان مختلفة وفي كل لحظة في تاريخ هذه الأمة، فهي تحقق ألواناً من الانتصارات.
إخوتي الكرام! وأود أن أقف باختصار في هذه المحاضرة عند عدد من النقاط المهمة, والأفكار الأساسية: