النقطة الثانية: الاهتمام بالمستقبل، خاصية من خصائص الإنسان تميزه عن الحيوان، جُبِلَ الإنسان على التفكير في المستقبل، ولذلك إذا تأملتم قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:23-24] فالله عز وجل في هذه الآية ما نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن تعليق الأمر على المستقبل، إنما نهاه عن أن يجزم، بل يربط ذلك بالمشيئة.
إذاً الإنسان لا يستطيع أن يعمل كل ما في أمنيته الآن فيقول: بعض الأمور أعملها غداً أو بعد غد في المستقبل.
لكن ينبغي أن نربط ذلك بمشيئة الله عز وجل، فلا يجزم ويقول: سأفعل ذلك غداً، بل يقول: إن شاء الله أفعله غداً.
فالتخطيط للمستقبل أمر ضروري، ولا يمكن تجاهله، ولكنه ينبغي أن يُربط بمشيئة الله عز وجل.
انظر إلى بعض هذه الأحاديث -وأنا أذكر لكم هذه الأشياء كلها، لا على سبيل الاستقصاء، وإنما كأمثلة مرت في خاطري وأنا أتأمل الموضوع.
مثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم يقول، في صيام يوم عاشورا: {لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع} أي: مع العاشر يصوم يوم تسعة وعشرة من المحرم، فعلق هذا الأمر على المستقبل؛ لأنه لم يفعله في هذا العام، فوعد إن بقي إلى العام القادم، وكتب الله له حياة أن يفعله، يقول صلى الله عليه وسلم: {لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب} ويقول: {لئن عشت إن شاء الله، لأنهين أن يسمى أفلح ويسار ورباح، ونجيح} فوعد أنه إن عاش سوف ينهى عن هذه الأمور.
نحن نجد لغة العرب فيها حرف السين، وفيها سوف، لماذا وجد حرف السين وسوف؟ للتعليق على المستقبل، فإذا قلت لك: اقرأ هذا الكتاب؟ تقول: سوف أقرؤه إن شاء الله، أو سأقرؤه إن شاء الله.
فالإنسان يعلق كثيراً من الأمور في المستقبل.
الذي لا يمكن أن تفعله اليوم، تفعله غداً، والذي لا يمكن أن تفعله غداً، تفعله بعد غد، وهذا أمر طبيعي أن الإنسان يفكر في المستقبل، ويرتب بعض الأمور، ويعد أن يفعل هذه الأشياء في مقبلات الأيام.
ولذلك جاء في السنة النبوية الخبر عن أحوال هذه الأمة، وما يمر بها من الفتن والشرور والمصائب والخيرات أيضاً، إلى قيام الساعة، وفي بعض الأحيان كان الصحابة أنفسهم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، كما في حديث حذيفة المشهور، أنه قال: {كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقال: جاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ وهل بعد هذا الشر من خير؟} إلى آخر الحديث.