وكذلك أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، كما في الحديث المتفق عليه عن أبي سعيد أن رجلاً كان جباراً طاغية معه سيفه وبندقيته، لا يمر برجل فيتشاكس معه ويختلف معه إلا قتله، فسأل وقد تحركت في نفسه التوبة إلى الله عز وجل، وخاف من الموت، وأن يلقى الله على هذه الحال السيئة، وتذكر أنه مهما تمتع بشبابه وقوته وصحته فإنه آيل إلى الهرم والمرض والعجز والشيخوخة والموت والقبر والجزاء والحساب، فخاف من ذلك كله.
وبدأ يسأل الناس: أيها الناس! هل تعلمون أحداً من أهل العلم أسأله عن حالي؟ فدُل على راهب من الرهبان، فجاء إليه وقال له: إني قتلت تسعة وتسعين نفسا فهل لي من توبة؟ قال له: أنّى لك التوبة؟! اخرج لا تلوث صومعتي، وأراد أن يطرده، فغضب هذا الرجل وقت الراهب فأكمل به المائة، ثم بدأ يسأل مرة أخرى: هل لي من توبة؟ فدل على عالم، وهو أعلم أهل الأرض يومئذٍ، فجاء إليه وقال له: إني قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟ قال: من يحول بينك وبينها؟! ولكن لا تعد إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء فلا ترجع إلى البلد الذي جئت منه المدينة التي خرجت منها؛ بل اذهب إلى قرية كذا، وكذا؛ فإن لها قوماً يعبدون الله عز وجل فاعبد الله تعالى معهم، فخرج من بيت هذا العالم فمات في الطريق، وأوحى الله عز وجل إلى القرية التي هاجر إليها أن تقاربي -اقتربي إلى الرجل- وأوحى إلى القرية التي هاجر منها أن تباعدي، فلما قاسوا ما بين القريتين وجدوه أقرب إلى القرية التي هاجر إليها بشبر، وفقبضت روحه ملائكة الرحمة، وقبض عبداً تائباً صالحاً منيباً إلى الله عز وجل.