توبة كعب بن مالك وأبي محجن الثقفي

من أعاجيب القصص في هذه الأمة، قصة كعب بن مالك رضي الله عنه وتوبته وتوبة أصحابه من التخلف عن غزوة تبوك، وهي قصة طويلة في صحيح البخاري ومسلم، لا أريد أن أطيل بذكرها.

ولكني أذكر توبة أبي محجن الثقفي رضي الله عنه، وكان أبو محجن رجلاً لا يتورع عن شرب الخمر مع أنه مسلم، حتى إنه كان وهو في الجاهلية يتغنى بالخمر ويقول: إذا متُّ فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقُها ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقُها أي أنه يريد إذا مات أن يدفنوه إلى جنب كرمة، أي: شجرة عنب حتى تروي عروقُها عظامَه بعد الموت حنيناً إلى الخمر، حتى وهو ميت، وظل هذا الرجل مصراً على شرب الخمر بعد الإسلام مع أنه أسلم، فكانوا يجلدونه في الخمر، ثم سجنوه لما لم يفد فيه الجلد، وكان مسجوناً في بيت سعد بن أبي وقاص في العراق قرب القادسية، فثارت معركة القادسية بين جند المسلمين وجند الفرس، واحتدم وطيس المعركة، وكان أبو محجن فارساً قوياً غيوراً على الإسلام، وإن كانت فيه هذه المعصية، فكان ينظر إلى المتقاتلين ويتحرق على القتال في سبيل الله عز وجل، ثم ينظر بين قدميه، فيجد هذه السلاسل والقيود التي أثقلته، فلا يستطيع أن يتحرك بها، فحزن حزناً شديداً على عدم استطاعته أن يقاتل، وقال وكان شاعراً قوياً قال: كفى حزناً أن تطرد الخيل بالقنا وأترك مشدودا علي وثاقيا إذا قمت عناني الحديد وغلقت مصاريع دوني قد تصم المناديا وقد كنت ذا مالٍ كثير وإخوةٍ فقد تركوني واحدا لا أخا ليا ولله عهد لا أخيس بعهده لئن فرجت ألا أزور الحوانيا أي أنه يعاهد الله عزوجل إذا فرجت عنه هذه الضائقة، ألا يزور الحانات، ولا يشرب الخمر مرة أخرى، وكانت زوجة سعد بن أبي وقاص واسمها سلمى قريبة منه تسمعه، فناداها وقال لها: اسمعي مني قد اشتدت المعركة بين المسلمين والفرس، ففكي وثاقي وسلميني هذه الفرس التي تسمى البلقاء، وهي فرس سعد بن أبي وقاص، وقد كانت مربوطة، ودعيني أقاتل مع المسلمين، فإن قتلت فما أنا بأول من قتل، وإن نجوت فإني أعاهدك بالله عز وجل أن أعود حتى أجعلك تضعين القيد في رجلي ويدي مرة أخرى، فقالت: إني أخاف ألا تعود فقال: أعاهدك أن أعود إن نجوت.

ففكت وثاقه، وأعطته البلقاء فرس سعد، فركبها وذهب إلى الفرس، فبدأ يصول ويجول فيهم يمنة ويسرة، ويقتل فيهم قتلاً ذريعاً، وينتقل من الميمنة إلى الميسرة إلى القلب، وهو لا يعرض له أحد من الفرس إلا قتله حتى بدءوا يهابونه، ويتحامون منه، والمسلمون ينظرون إليه، ويقولون: من هذا؟! من هذا الفارس الذي لا نعرفه؟! وكان سعد وهو قائد المعركة يقول: والله لولا أن أبا محجن في الأسر لقلت: إن هذا أبو محجن، ولولا أن فرسي البلقاء مربوطة، لقلت: إن هذا فرسي البلقاء.

فلما انتهت المعركة، رجع أبو محجن إلى سلمى، وجعلها تضع القيد في رجله مرة أخرى، فلما جاء سعد كان يحدث زوجته عن أخبار المعركة وقال لها: لقد ظهر فارس عجيب على فرس عجيبة، لولا أن أبا محجن في الأسر، لقلت: هو أبو محجن، ولولا أن فرسي مربوطة، لقلت: هي فرسي، فقالت له: هو والله أبو محجن، وهي والله فرسك، وأخبرته بالقصة، فذهب سعد إلى أبي محجن، وفك وثاقه بيديه، وقال له: لا جرم والله لا جلدناك في الخمر أبداً، ولا حبسناك فيها أبداً، فقال أبو محجن: وأنا والله أيضاً لا شربت الخمر أبداً، ثم تاب إلى الله عز وجل توبة نصوحاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015