وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: [[إن المؤمن يرى ذنوبه كرجلٍ في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، أما المنافق فإنه يرى ذنوبه كذبابٍ وقع على أنفه لو فعل بيده هكذا وحركها لطار]] .
انظري أيتها المسلمة! المؤمن يخاف الله عز وجل، ويحافظ على الصلاة، ويقرأ القرآن، ويحفظ عرضه، ويحفظ لسانه، ويحفظ جوارحه من المعاصي، ومع هذا كله إذا وقع في ذنب ولو يسيراً؛ أحس بأن هذا الذنب كالجبل العظيم يخشى أن يقع على رأسه في كل لحظة؛ وذلك لأن قلبه حي وروحه مشرقة، وهو يعرف عظمة الله عز وجل وعظيم حق الله، ويعرف ما أعد الله للطائعين من الجنان والنعيم، وما أعد للعاصين من النكال والجحيم، فيخاف من ذنوبه مهما قلَّت، وعلى الضد من ذلك المنافق، الذي لا يخاف الله عز وجل، ولا يستحي من الناس؛ فإن هذا المنافق يرى ذنوبه مهما عظمت، -ومهما كبرت حتى لو وقع في الفواحش والجرائم والموبقات- يرى أنها يسيرة، فهي مثل ذباب وقع على أنفه، فدفعه بيده فطار هذا الذباب، فكل من أحس بالتوبة ووجوبها وخطرها، فهو أقرب إلى الإيمان وكل من قال: ماذا فعلت حتى أتوب؟! فهو أقرب إلى النفاق.
وفي صحيح البخاري أيضا عن ابن أبي مليكة أنه كان يقول: [[أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه]] .
اسألن -أيتها المسلمات- أنفسكن: من منكن تخاف النفاق على نفسها؟ قليل، وربما لا يوجد، لكن أبو بكر، وعمر، وعثمان بن عفان، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر وفلان وفلان من الذين يحيون الليل في القيام ويحيون النهار في الجهاد والصيام، ومن الذين شُهد لهم بالجنة يخافون على أنفسهم النفاق، ومهما يكن الإنسان قد فعل من الأعمال الصالحة، فيجب أن يدرك حاجته إلى التوبة؛ ولذلك علمنا الله عز وجل إذا انتهينا من الحج أن نستغفره: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:198-199] ويقول سبحانه: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران:17] قال أهل العلم: هؤلاء قوم أحيوا الليل بالعبادة والقيام، فإذا كان السحر استغفروا الله عز وجل، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن ينصرف من صلاته يقول قبل أن يلتفت إلى المأمومين: {أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام!} كما في حديث عائشة وثوبان رضي الله عنهما في صحيح مسلم فكان يستغفر بعد الفعل الصالح، وإذا كان الإنسان مطالباً بالاستغفار بعد الطاعة: بعد الحج، بعد الصوم، بعد الصلاة، بعد قيام الليل، بعد الصدقة، فما بالكِ أيتها المسلمة بمن يقع في المعصية؟! في التقصير، في النظر الحرام، في الكلمة الحرام، في الخطوة الحرام في الكتابة الحرام، في القراءة الحرام، في المشاهدة الحرام، لا شك أنه أحوج وأحوج إلى أن يكون موصولاً بالله عز وجل ويكثر من الاستغفار؛ فإن الشيطان يقول: أحرقت بني آدم بالمعاصي، وأحرقوني بالاستغفار.