فيما يتعلق بالفرد

أولها: هناك حالات للشخص يشرع له فيها أن يعتزل الناس، وهذه الحالات منها: الحالة: الأولى: أن يكون هذا الشخص كثير الشر، قليل الخير، فإذا اختلط بالناس لم يستطع أن يوصل الخير إليهم، ولا أن يحجب الشر عنهم، فمخالطته للناس هي شر لا يكاد يكون فيه من الخير إلا القليل، فمثل هذا يشرع في حقه العزلة، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في المعتزل: يعبد ربه ويدع الناس من شره، وقال في اللفظ الآخر: ليس من الناس إلا في خير، فهذا الإنسان بطبيعته، إذا اختلط بالناس أساء إليهم، وظلمهم، وهضمهم، فمثل هذا تشرع في حقه العزلة متى كانت مخالطته للناس يغلب شرها على خيرها، أو تكون شراً لا خير فيه.

الحالة الثانية: أن يكثر الشر والانحراف بين الناس، ويصبح هذا الإنسان لا يستطيع الصبر على رؤية الفساد والانحراف، فما إن يختلط بالناس ويرى المفاسد والمنكرات حتى ينفعل ويسارع في تغيير هذه المنكرات بطريقة غير مشروعة تضاعف من المنكر، وتزيد منه، بل ربما أدت إلى إغلاق باب الإنكار بالكلية، وجرَّت شراً على المنكرين، فمثل هذا إذا لم يستطع أن يضبط نفسه، ولم يستطع أن يبتعد عن مواطن المنكر نظراً لأن المنكر قد فشى في كل مكان، فإن العزلة في حقه أولى.

الحالة الثالثة: أن يكون هذا الإنسان شخصاً ضعيف الإيمان، ميالاً إلى الشهوات، ويعرف من نفسه الرغبة في مقارفة هذه الفواحش، فإذا ما رآها أنست نفسه بها ومالت إليها، وربما واقعها، أو كاد، فمثل هذا أيضاً إذا لم يستطع أن يعتزل المنكر لفشو المنكر وانتشاره في كل مكان، فإن العزلة في حقه أولى.

وهناك أيضاً أشخاص إذا رأوا المنكرات تثاقم لديهم الشعور وشده الحساسية منه والانفعال فأصابهم من ذلك هَمٌّ لا يفارقهم مع عدم قدرتهم على التغيير لضعفهم وعجزهم، فمثل هؤلاء تشرع في حقهم العزلة.

والعزلة لا تعني أيضا أن يفارق الإنسان الناس بالكلية فيعتزل على رأس شظية -جبل- أو في شعب من الشعاب، بل يعتزل المنكر وموقعه، وما يؤدي إلى حصول السلبيات التي سبقت الإشارة إليها، مع قيامة بما يجب من الصلاة في الجماعة، ومن صلة الرحم، ومن القيام بحقوق الجيران، والأقارب، وما لا بد له منه، وإنما يترك فضول الصحبة، ويعتزل المنكر، ويعتزل ما لابد من اعتزاله، حتى يسلم من هذه المفاسد الموجودة، هذا فيما يتعلق بالفرد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015