الأخوة في الله من الخلطة

وكذلك شرع الإسلام للمسلمين الاجتماع على الطاعة وعدم التفرق، وشرع لهم المؤاخاة، وجعلها طريقاً موصلاً إلى الجنة وسبيلاً للاستظلال بظل الله تبارك وتعالى يوم لا ظل إلا ظله، فالتحاب في الله، والتآخي فيه، والتزاور فيه، هي من الأمور المقربة إلى الله تعالى.

ففي الحديث الذي رواه مالك في الموطأ وغيره عن أبي إدريس الخولاني رحمه الله قال: {دخلت مسجداً في دمشق فإذا فيه فتى براق الثنايا، وإذا الناس حوله فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه فيه، قال: فوقع في قلبي حبَّه، فلما كان من الغد هجَّرت فوجدته قد سبقني في التهجير، ووجدته يصلي، فانتظرته حتى إذا قضى صلاته أقبلت عليه فقلت له: إني أحبك في الله، فقال: آلله؟ -أي تحلف بالله، يستحلفه بالله على صدق هذه المقالة- قال: قلت: آلله؟ قال: آلله؟ قلت: آلله، قال: آلله، قلت: آلله، قال: فأخذ بحبوتي فجذبني إليه، وقال لي: أبشر فإني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، ووجبت محبتي للمتجالسين فيَّ، ووجبت محبتي للمتزاورين فيَّ، ووجبت محبتي للمتباذلين فيَّ} وهذا الحديث صحيح، صححه الإمام ابن عبد البر والحاكم، والمنذري، والنووي، وغيرهم من الأئمة، ومن العجيب أن عُمْر أبي إدريس الخولاني حين حصلت له هذه القصة كان يقل عن عشر سنوات، ومع ذلك يرى هذا الشاب الذي هو معاذ بن جبل رضي الله عنه فيقع حبه في قلبه، فيأتي من الغد مبكراً لينفردبه، ويشعره بهذا الشعور الأخوي الفياض، ثم يقول له: إني احبك في الله، بل ويحفظ عنه هذا الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى.

فالأخوة شريعة ماضية، والصحبة سنة قائمة، وينبغي لكل مسلم أن يحرص عليها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015