ولهذه الأخوة فوائد عظيمة، فهي أولاً: امتثال لأمر الله عز وجل الذي أمرنا بالأخوة فيه، وحث عليها، ورغب فيها في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهي ثانياً: أمر يتعلق به كثير من الواجبات والعبادات، من الصلوات والحج وغيرها.
وهي ثالثاً: وسيلة إلى معرفة الإنسان مدى تحليه بالخصال الحميدة والأخلاق الفاضلة التي حث عليها الشرع، فإن الله عز وجل أمرنا بالتحلي بالأخلاق الفاضلة، والتأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، حيث قال تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم:4] وقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر} [آل عمران:159] وأمرنا الله عز وجل بالصبر وغير ذلك من الأخلاق.
ولا سبيل للإنسان ليعرف مدى تحليه بهذه الخصال إلا بالمخالطة، وتحقيق الأخوة الإسلامية تحقيقاً عملياً، فإنك إذا اختلطت بالناس ورأيت من الأعمال والتصرفات التي تثير غضبك فكظمت هذا الغيظ، عرفت مدى تحققك بالصبر، فإن لم تستطع عرفت عدم قدرتك على تحقيق هذا الخلق العظيم، ولذلك جاء في الحديث الصحيح عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من كظم غيظاً وهو قادر على إنفاذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء} وفي الحديث الصحيح المتفق عليه: {ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب} .
وهكذا الحلم، لا تستطيع أن تعرف هل أنت حليم أم لست بحليم حتى تخالط الناس، وتواجه أعمالاً وأقوالاً تستفزك، فإن ربطت أعصابك، وقابلت الموقف بهدوء وسعة بال، عرفت أنك قد اتصفت بهذه الصفة، وإن فقدت صوابك وانفعلت واستجبت لهذه المثيرات عرفت أنك بحاجة إلى أن تربي نفسك على الحلم الذي هو خصلة من الخصال المحمودة المطلوبة منك شرعاً.
ولهذا كله، فإن الخلطة أصل مطلوب من الإنسان، بل هي الأصل، ولذلك قرر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأصل بأحاديث كثيرة أكتفي منها بحديث واحد، وهو ما رواه الترمذي , وأحمد وغيرهما، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم، خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على آذاهم} والحديث صحيح.
وفي هذا الحديث نص واضح على أن الخلطة أفضل من العزلة، وأن المؤمن الذي يصبر على معاشرة الناس، ومداخلتهم، والقيام بحقوقهم، خير وأفضل عند الله عز وجل من المؤمن الذي لا يخالطهم، فلا يلقى منهم الأذى الذي يحتاج إلى الصبر.
وهذه القضية قضية ظاهرة، ولكن قد يشكل عليها أحاديث صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم.