الزهد والورع والتقوى

من أعظم خصائصه وصفاته: الزهد والورع والتقوى والنسك والإقبال على العبادة, فكان يميل -رحمه الله- إلى طرق الفضائل، ويوالي أهل الخير والعبادة والتقى, ويلهج بذكر الصالحين, وكان كثير التلاوة للقرآن الكريم, كثير الاستشهاد به حتى كأن الآيات بين ناظريه, يأخذ الآية فيضعها في موضعها المناسب للاستشهاد, ويسرد الآيات المتشابهة في موقف واحد, لا يعجزه بإذن الله تعالى من ذلك شيء, وذلك لكثرة تلاوته للقرآن, ومع ذلك كان مزدرياً لنفسه محتقراً لها, خطب يوماً على المنبر فأعجبته نفسه وحسنت في عينه خطبته, فأقبل على نفسه يقول: حتى متى يا نفس أعظ ولا أتعظ؟! وأزجر ولا أزدجر! أدل الطريق على المستدلين وأبقى مقيماً مع المتحيرين, إلى متى هذا؟ إن هذا لهو الضلال المبين, {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} [الأعراف:155] ثم رفع يديه إلى السماء فقال: اللهم فرغني لما خلقتني له, ولا تشغلني بما تكفلت لي به, ولا تحرمني وأنا أسألك, ولا تعذبني وأنا أستغفرك, يا أرحم الرحمين.

يقول في بعض شعره -رحمه الله- يخاطب نفسه: كم تصابٍ وقد علاك المشيب وتعامٍ عمداً وأنت اللبيب كيف تلهو وقد أتاك نذير أن كأس الحُمَام منك قريب يا سفيهاً قد حان منه رحيل بعد ذاك الرحيل يوم عصيب إن للموت سكرة فارتقبها لا يداوي إذا أتتك طبيب كم توانٍ حتى تصير رهيناً ثم تأتيك دعوة فتجيب ليس من ساعة من الدهر إلا للمنايا بها عليك رقيب ولذلك كانت له كرامات تذكر, ومن كراماته ما ذكره الإمام أبو محمد بن حزم العالم المشهور عن الحكم بن المنذر ابن هذا الجليل, يقول عن والده: أنه خرج في الحج إلى مكة المكرمة مع رفقة من أهل الأندلس, فلما كانوا في عرض الصحراء تاهوا في الطريق ضلوا وضاعوا, ولم يكن معهم طعام ولا شراب, حتى بلغ بهم العطش مبلغه, وقربت منهم المنية, قال: فأووا إلى كهف في الجبل ينتظرون فيه الموت, فوضع المنذر بن سعيد رأسه على طرف الجبل, فوجد إلى جواره صخرة ناتئة مرتفعة, وعالجها بيده فنزعها فغار الماء فشربوا عن آخرهم، فأنقذهم الله عز وجل من الموت بسبب العطش كانت هذه من كراماته، وله كرامات مشهورة مذكورة, فإن الله عز وجل إذا علم من عبده الصدق, إذا حفظ العبد ربه حفظه الله, كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس في وصيته المشهورة: {احفظ الله يحفظك} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015