الخصلة الرابعة من خصاله: العلم, فكان بحراً لا يدرك ساحله في سعة العلم بالقرآن الكريم، وله في ذلك مصنفات مثل أحكام القرآن وغيرها, وكان كثير الاستشهاد بالآيات، كثير التلاوة لكتاب الله عز وجل, وكذلك كان فقيهاً كبيراً، وكان ينتحل مذهب داود بن علي الظاهري فكان فيه ظاهرية, ولعله أول من نقل مذهب الظاهرية إلى الأندلس, ومع ذلك كان يحكم بمذهب مالك لأنه كان هو المشاع المنتشر في الأندلس, وإلى هذا وذاك كان له اجتهادات فقهيه واختيارات وآراء في أمور كثيرة إضافة إلى علمه باللغة العربية, وهو الذي نقل كتاب العين للخليل بن أحمد إلى بلاد الأندلس بالرواية, وأوصله إليهم كما نقل كثيراً من كتب الفقه ككتاب الإشراق لـ ابن المنذر نقله إلى بلاد الأندلس , وهو كتاب في مذاهب الفقهاء.
ومن طرائف ما يروى عنه في معرفته باللغة والأدب والشعر أنه التقى برجل يقال له: أبو جعفر النحاس بمصر, فكان أبو جعفر هذا يملي على طلابه شيئا من الشعر والعلم, فأملى عليهم قول الشاعر: خليلي هل بالشام عين حزينة تبكي على نجد لعلي أعينها قد أسلمها الباكون إلى حمامة مطوقة باتت وبات قرينها تجاذبها أخرى على خيزرانة يكاد يدانيها من الأرض لينها فقال له الإمام المنذر بن سعيد يا شيخ: قولك "باتت وبات قرينها" باتت يصنعان ماذا؟ يعني ينكر عليه ليست (باتت) فقال: إذاً ما هو البيت؟ قال: "بانت وبان قرينها" بانت، يعني: أبعدت وشط بها النوى, نوت، أي: ابتعدت عن قرينها, فأعجب به الإمام أبو جعفر النحاس وأدناه حتى جعله قريباً منه, هذه بعض خصال الإمام وبعض فضائله.