ما أحسن عقيدة أهل السنة والجماعة ولو لم يكن في فضلها إلا هاتان الميزتان لكفتا: الميزة الأولى: أن فيها تعظيم النصوص وإقرارها وإمرارها كما جاءت، دون الاشتغال بتحريفها وتصريفها عن معانيها، مما يهون من شأن النص ويجعل الإنسان -ربما- يكره هذه النصوص، أو يكره أن يوردها أو يضيق صدره إذا مرت عليه؛ بل يكون في ذلك تعظيم للنصوص وحماية لجانبها؛ وهذه هي الميزة الأولى العظيمة.
الميزة الثانية: حماية العقل البشري من أن يضيع في بيداء ليس فيها هادٍ ولا دليل، بعد ما ترك النص الشرعي، فأصبح يضرب يميناً وشمالاً في تيه بعيد، ليس مأجوراً به في الآخرة ولا محموداً به في الدنيا.
فأما في الآخرة: فلن يؤجر أولئك الذين اشتغلوا بصرف النصوص عن معانيها، بل هم أولى بالإثم على ما تجرءوا عليه من النصوص.
وأما في الدنيا: فإن في ذلك إضاعة للعقل، وصرف له عن مهماته الحقيقية، التي تتمثل في: فهمه للكتاب والسنة فهماً ظاهراً بعيداً عن التكلف، ومعرفة ماذا أراد الله تعالى منا، وما يجب أن نعمله، والبحث عن السبل لإعزاز هذا الدين؛ بتقوية جانبه وشد ركنه وقتال أعدائه وما أشبه ذلك من المجالات التي تأخر المسلمون فيها كثيراً؛ بسبب إغراقهم في البحث في الإلهيات بطريقة لم تبق للنصوص حرمة وتعظيماً، ولا توصل القلوب ولا العقول إلى هداية صحيحة، فأسلم طريقة يهتدي إليها المهتدون؛ هي قراءة القرآن كما أنزله الله تعالى، والسنة كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإمرارهما وإقرارهما والإيمان بهما على ظاهريهما، دون الدخول في تأويل أو تعطيل أو صرف لهما عن معانيهما.