قوله تعالى في سورتي الأعراف ويونس: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) [الأعراف:54]

هذا الموضعان في سورة الأعراف وفي سورة يونس: آيتان متشابهتان من حيث اللفظ، فهما تثبتان خلق الله تعالى للسماوات والأرض في ستة أيام ثم استوائه على العرش {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] .

وخلقه عز وجل السماوات والأرض في ستة أيام، الكلام فيه ليس هذا موضعه؛ لكن فيه إثبات خلقهما وما بينهما أيضاً -كما جاء في الآيات الأخرى-: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان:59] ففيه إثبات خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، والمقصود بقوله: {وَمَا بَيْنَهُمَا} [الفرقان:59]-والله تعالى أعلم-: الأجرام التي تكون بين السماء والأرض وهي كثيرة.

ومثل ذلك هذا الهواء الذي يكون بينهما، فإن الله تعالى خلق ذلك كله والسماوات والأرض في ستة أيام، وجاء تفصيل هذا الخلق في قوله تعالى: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت:9] فذكر أن الأرض خلقت في يومين إلى قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت:11-12] فذكر تفصيل خلق السماوات والأرض وخلق ما بينهما في ستة أيام، وهذه الأيام مما يعلمه الله سبحانه وتعالى فقد يجوز أن تكون بقدر أيامنا المعهودة، أي: في ستة أيام بقدر أيامكم المعهودة ويجوز أن يكون الأمر غير ذلك، وأن تكون أياماً يعلمها الله سبحانه وتعالى؛ خاصة ونحن نعلم: أنه عند خلق السماوات والأرض لم يكن هناك ليل ونهار وشمس، بحيث يتميز هذا من ذاك؛ وإنما خلق الله الليل والنهار بعد ذلك، ثم استوى على العرش.

والظاهر من قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] يدل على أن " ثم " هاهنا للترتيب الزماني؛ ولذلك تكررت في المواضع السبع كلها {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] وقد سبق في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: {كان الله ولا شيء معه} .

فلا شك أن الله تعالى خلق العرش بعد أن لم يكن، ثم استوى عليه، فالعرش مخلوق لله عز وجل، خلقه الله تعالى ثم استوى عليه -كما ذكر هاهنا أو في بقيه المواضع السبعة.

{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] وكل ما يخطر ببال العبد من صفه الاستواء أو من كيفيه الاستواء، فإنه يدفعه: بعلم أنه لا يعلم كيف هو إلا هو سبحانه، وكذلك لا يعلم كيفية صفاته إلا هو (وكل ما خطر ببالك، فالله ليس كذلك) -كما قال بعض أهل العلم- فكلما قفزت إلى ذهن الإنسان صورة كيفية للاستواء أو لغيره من الصفات؛ تذكَّر أن هذه الصورة صورة مخلوقة محدثة، وأن الله ليس كذلك؛ فيندفع عنه وينقطع عنه الوسواس والشبهات والخواطر، التي قد تخطر في قلبه أو تمر في ذهنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015