دفع تعارض حديث مسلم وآيات الخلق في ستة أيام

في صحيح مسلم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى خلق التربة يوم السبت، وذكر بقية المخلوقات إلى أن ذكر آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة، فيكون المجموع سبعة أيام، فكيف نجمع بين حديث مسلم هذا وبين الآيات الكريمة التي فيها خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام؟! من أهل العلم من ضعفوا هذا الحديث بحجة معارضته لظاهر القرآن الكريم، وقد نقل هذا عن جماعة من العلماء المتقدمين نذكر منهم البخاري والبيهقي وغيرهما، ومنهم من صحح الحديث وحمله على محمل آخر غير المحمل الذي تحمل عليه الآيات، وهذا المسلك أحسن؛ لأن الحديث ظاهره الصحة والسلامة وقد صححه جماعة كبيرة من العلماء وأخرجه مسلم في صحيحه والمحامل التي حمل عليها الحديث كثيرة.

لعل من أحسنها ما أشار إليه الذهبي رحمه الله! في كتابه العلو للعلي الغفار، واختاره جماعة من المحققين: أن الأيام السبعة التي ذكرها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هي غير الأيام الستة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى فإن الله تعالى ذكر السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، أما الحديث فذكر تفصيل بعض المخلوقات، كالتربة -مثلاً- والتربة ليس المقصود بها الأرض فالأرض، أشمل من التربة.

أما التربة فهي: خاصة بتربة الأرض الظاهرة وقشرتها القريبة فتكون التربة هنا: غير الأرض المذكورة في الآية، وكذلك ذكر في الحديث تفصيل الجبال والشجر والماء والشر أو المكروه، فذكر تفصيل خلق أشياء؛ ومما يدل على صحة هذا المعنى أنه ذكر خلق آدم في آخر ساعة من الجمعة، يعنى: آخر يوم من الأيام السبعة.

ومن المعلوم أن خلق آدم متراخٍ جداً عن خلق السماوات والأرض وبعيداً عنه فليس خلق آدم هو بعد خلق السماوات والأرض مباشرة، كلا! بل خلق آدم عليه السلام متراخ جداً عن خلق السماوات والأرض.

ومن المعلوم أن الله تعالى خلق السماوات والأرض، وأنه -كما جاء في روايات كثيرة- أن الجن كانوا في الأرض ففسقوا فيها وأفسدوا وسفكوا الدماء، فقال الله سبحانه وتعالى لملائكته: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30] فهذا أحسن الأقوال، وقد جاءت روايات صحيحة أشار إلى شيء منها الذهبي في كتابه القيم الذي يمكن مراجعة مختصره للألباني وهو العلو للعلي الغفار وهو في مجلد لطيف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015