آية الرعد

الموضع الثالث: من المواضع التي ذكر الله تعالى فيها (الاستواء) في كتابه قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد:2] وقد ذكر في أول الآية: رفع الله عز وجل السماوات بغير عمد ترونها، وفي تفسير ذلك قولان، الأول: أن الله تعالى رفع السماوات بغير عمد أي: أنها ليس لهما عمد؛ بل رفعهما بقدرته، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:41] .

والمعنى الثاني: أن المقصود بغير عمد مرئية، وعلى هذا يكون وجود عمد لا ترى أمراً وارداً، فكأن المعنى يختلف، فإذا قيل: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد:2] أي: خلق السماوات ترونها بغير عمد، فيكون في ذلك استئناف "خلق السماوات ترونها بغير عمد" أو يكون المعنى خلق السماوات بغير عمد ترونها بغير عمد مرئية لكم، فيحتمل أن يكون المعنى وجود عمد لا ترى.

وعلى كل حال فالإعجاز في الخلق ظاهر في الحالين، فهذه السماء العظيمة إن كان خلقها واستقرارها وثباتها وبقاؤها بغير عمد؛ فهو معجزة للخلق دال على الخالق، ولذلك أمر الله تعالى بالنظر فيها فقال: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس:101] وقال: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:3-4] وإن كان ثَمَّ عمد موجودة وإنها لا ترى؛ فهذه -أيضاً- معجزة أخرى تدل على عظمة الخالق وبديع صنعه، وكلا الأمرين له ما يؤيده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015