قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) [السجدة:4]

هذا الموضع في سورة السجدة، وسماها (آلم.

تنزيل) بالنظر إلى أولها؛ وسماها سورة السجدة، لأن فيها آية السجدة والسجدة موجودة في أكثر من أربعة عشر موضعاً من القرآن الكريم أو تزيد، وكذلك (آلم) هي بداية لعدد من سور القرآن الكريم فجمع بينهما تمييزاً فإذا قيل: (آلم.

تنزيل) عرفت بها هذه السورة، وكان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في أول ركعة من الفجر يوم الجمعة، ويقرأ في الركعة الثانية بـ {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} [الإنسان:1] .

وقد ذكر أهل العلم من أسرار اختيار هذه السورة بالقراءة في يوم الجمعة؛ ما اشتملت عليه من خلق السماوات والأرض، واستواء الله سبحانه وتعالى على عرشه، وخلق الإنسان ونشأته وأطواره ومراحله وبدايته ونهايته، فضلاً عما فيها من العبر وأخبار بعض الأمم السابقة إلى غير ذلك، ومثلها سورة الإنسان، فإنها مشتملة أيضاً على خلق الإنسان بدءاً وانتهاءً، وما يكون عليه الناس في الدار الآخرة حينما يصل أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.

ومن ضمن ما اشتملت عليه هذه السورة العظيمة " آلم تنزيل " (السجدة) ذكر خلق الله تعالى للسماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم ذكر استواؤه على العرش؛ ومع ذلك فإنه مع علوه وأنه مستوٍ على عرشه، فوق سماواته بائن من خلقه كما يقول أهل العلم؛ مع ذلك فإنه قريب منهم، عالم بأحوالهم وتقلباتهم، سميع لدعائهم {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة:4-5] فهو مع استوائه وعلوه؛ قريب من خلقه؛ سامع لدعائهم؛ رحيم بهم؛ مطلع على أحوالهم.

ولهذا يقول بعض أهل العلم هو: (قريب في علوه عالٍ في دنوه) أي: أنه لا تعارض بين علوه -جل وعلا- فوق سماواته واستوائه على عرشه، وبين قربه من خلقه بعلمه وإحاطته وخبرته بهم ورحمته وإحسانه وعطفه وجوده للمؤمنين منهم، فلا تعارض بين هذا وذاك ولهذا قال عز وجل في مواضع كثيرة من كتابه: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد:4] و {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:7] وقال: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69] إلى غير ذلك من المواضع التي فيها إثبات المعية؛ معيته بعلمه وبإحاطته وبرحمته ونصره وتأييده للمؤمنين.

وقال سبحانه في سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:4] وهذا كالمواضع السابقة سواء؛ ففي هذه المواضع السبعة كلها ذكر (الاستواء) معدات بحرف "على" ومسبوقاً بلفظ "ثم" الذي يدل على الترتيب الزمني المتراخي، وهذا كله حق كما أخبر الله تعالى عنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015