ومن ذلك أن الإنسان ربما تكلم بشيء يدل على أنه يفعل بعض الطاعات، كمن يقول مثلا: سبحان الله! العبد إذا أكثر التلاوة وقراءة القرآن دل لسانه بالقرآن، وأصبح سهلاً عليه، خاصةً في قيام الليل, ومراده أن يقول: إني أفعل ذلك وقد جربته، أو آخر يقول: يظن بعض الناس أن في الصيام: تعب، ومشقة، وكلفه، ومن جرَّب عرف أنه لا تعب فيه ولا تكليف ولا مشقة، ومراده أن يقول: إني من أهل هذا الباب، وربما انتقل عمله من ديوان السر إلى ديوان العلانية، كمن يقول مثلاً: فلان أذَّن البارحة قبل الوقت بنصف ساعة.
ومراده أن يقول: إني كنت يقظاً، ولهذا بعض السلف لما قال: [[أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ استدرك، وقال لجلسائه: أما إني لم أكن في صلاة, ولكني لدغت]] فهو أراد نفي ما قد يتبادر إليهم أنه كان يصلي, فقال: إني لدغت، فكان هذا هو السبب في عدم نومي.
فبعض الناس يقول: فلان أذن البارحة قبل الموعد، ومراده أن يقول: إني كنت مستيقظاً آنذاك.
وهذا إن كان قصده الرياء فعمله حابط، وإن لم يكن قصده الرياء -فكما ذكرت- أقل ذلك أن ينتقل عمله من ديوان السر إلى ديوان العلانية، فيقل الثواب وينقص الأجر.