التظاهر بطلب العلم

ومن ذلك أن يغري البعض بطلب العلم والتوسع فيه، وقصده أن يكون مفتياً تضرب إليه أكباد الإبل, أو يشار إليه بالبنان, أو عالماً يذكر اسمه، أو مصنفاً تتداول كتبه، أو داعية يدهش الناس إليه ويتجمعون, وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: {أول من تسعّر بهم النار يوم القيامة ثلاثة وذكر منهم: قارئ للقرآن، فيقول الله تعالى له يوم القيامة: ماذا صنعت في نعمتي؟ فيقول: تعلمت فيك القرآن وعلمته.

قال: كذبت! ولكنك فعلت ليقال هو قارئ، فقد قيل, ثم يؤمر به فيسحب على وجهه إلى نار جهنم} .

والثاني: متصدق، والثالث: مجاهد، وكلهم فعلوا ذلك في غير مرضات الله تعالى.

ثم إن مثل هذا الإنسان الذي جعل له جاهاً أو منزلة علمية, قد يسأل عن مسألة فلا يعرفها ولا يدركها, فيخشى إن قال: الله أعلم أو لا أدري؛ سقطت مكانته أو هيبته عند الناس, وظنوا به الظنون وأعرضوا عنه، فيقول العوام: كيف ما تدري وأنت عالم؟ هذا مكان ليس مكان لا أدري, هذا مكان العلم.

لهذا بعض أهل العلم عندما صعد المنبر فسئل, قال: لا أدري، قال أحد الحضور: هذا ليس مقام لا أدري, هذا مقام العلماء.

قال: إنما علوت بقدر علمي، ولو علوت بقدر جهلي لبلغت عنان السماء، وقال الإمام مالك رحمه الله: (إذ ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله) فبعض الناس يخشى، إن قال: لا أدري أن يسقط من أعين الناس؛ فيفتي بغير علم.

أحد العلماء سألته امرأة! فقالت له: يا فلان -وكان محدِّثاً ليس له بصر بالفقه- قالت له: يا فلان رحمك الله عندي دجاجة سقطت في بئر, فما الحكم فيها؟ فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون, كيف سقطت الدجاجة في البئر؟! قالت: سقطت، قال: لماذا لم تضعِ على البئر شيئاً؟! قالت: يا فلان رحمك الله ما وضعت.

وإنما مراده أن يتلهى ويتسلى ويتهرب من قول لا أدري، وهو لا يستطيع أن يفتي, فقال بعض الحضور يا فلانة، إن كان الماء قد تغير بهذه الدجاجة فهو نجس، وإن كان لم يتغير فهو طاهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015