عقاب من يظهر الصلاح ويبطن خلافه

إذاً إذا صلح القلب صلحت الجوارح، والأعمال الظاهرة تبعاً لذلك, وبضد هذا؛ فإذا فسد لم ينفع معه التكلف بتزيين الظاهر وتحسينه للناس، لأن الله تعالى يقول يوم القيامة، كما في الحديث القدسي: {اذهبوا للذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء} ويقول سبحانه في الحديث القدسي: {أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عملا عملاً أشرك معي فيه غيري، فأنا منه بريء وهو للذي أشرك} وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار, فتندلق أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار برحاه, فيجتمع إليه أهل النار فيقولون له: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآيته} .

بعض الناس يظن أن هذا عذب لأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, وهذا من الجهل العظيم، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الشرائع التي يؤجر عليها العبد إذا نوى واحتسب، وإنما عوقب هذا الإنسان؛ لأنه يفعل المنكر ويترك المعروف، ولهذا قال: ولا آتيه، أي: المعروف، وقال: وآتيه، أي: المنكر.

إذاً هذا الرجل قد أصلح الظاهر وأفسد الباطن, فمثلاً وظيفته قد تقتضي أن يأمر وينهى، ولكنه يخالف إلى ما ينهاهم عنه, أو مركزه الاجتماعي يقتضي أن ينكر على الناس ما يراه من المنكرات، ولهذا كان عقابه، أما لو أنه أمر ونهى بصدق، لكان أمره ونهيه خيراً وبراً، حتى ولو ترك المعروف وفعل المنكر، فإنه يعاقب على ترك المعروف وفعل المنكر, ولكنه لا يعاقب على الأمر والنهي.

أما قول الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] فإن المعنى: أن الله تعالى عاتبهم ووبخهم وعاقبهم, لأنهم يتركون الحق وهم يعلمون، ويعرضون عنه، بخلاف الذي يفعل ذلك عن جهل, فإنه إذا علِّم امتثل, ولهذا ينبغي أن يُعلم أنه حق على الناس أن يأمروا بالمعروف ولو لم يفعلوه، وأن ينهوا عن المنكر ولو فعلوه.

ولو لم يعظ الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد ولا أحد معصوم أن يقع في خطأ، وإنما الواجب على الإنسان أربعة أمور:- أولها: فعل المعروف.

الثاني: الأمر به.

الثالث: ترك المنكر.

الرابع: النهي عنه.

فإخلاله بواحدة من هذه المقامات الأربعة لا يبيح له أن يخل بغيرها, فواجب حتى على من يتعاطون الكؤوس ويشربون الخمر؛ أن ينهى بعضهم بعضاً عن ذلك، وحتى الذين اجتمعوا على الفاحشة والمعصية، واجب أن يذكر بعضهم بعضاً بالله تعالى, ويحثه على ترك المعصية، والذين يتعاطون كل المحرمات حقٌ عليهم أن ينهى بعضهم بعضاً عن ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015