إن أحدهم -كما ذكرت- ربما صلَّى فبكى، لا لأن الإمام قرأ آيات الوعيد والزجر والتهديد، ولكن لأن صورة المحبوب مرتسمة في عينيه فهو يقول.
أصلي فأبكي في الصلاة لأجلها لك الويل مما يكتب الملكان وربما ذهب إلى الحج فوقف مع الناس بعرفة والمشاعر, ورمى الجمار، وطاف بالبيت، وبين الصفا والمروة، وهلّت دموعه وصاح وناح، لا خوفاً من الله تعالى، ولا تأثراً بما يشاهد، ولكن شوقاً إلى محبوب حيل بينه وبينه، وربما كل صورة تذكره بصورة محبوبه، فكل صورة امرأة يراها تذكره بمحبوبه، أو كل صوت يسمعه يذكره، أو كل اسم ينادى به يذكره باسم من يحب, كما قال أحد المفتونين بالصور: وداعٍ دعا إذ نحن بالخيف من منى فهيج أشجان الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بـ ليلى طائراً كان في صدري وأصبح الكثيرون اليوم من الشباب ذكوراً وإناثاً، يرون أن فوات ذلك يعني فوات شيء عظيم؛ لأن أجهزة الإعلام التي تصبحهم وتمسيهم، والأفلام التي يشاهدونها بالفيديو، والمسلسلات التي يرونها في التلفاز، أو الأغاني التي تصدح وتملأ آذانهم وقلوبهم, أو الروايات الغرامية التي تباع في المكتبات والأسواق أو غير ذلك، كل هذه المعاني فضلاً عن الشلل والأصدقاء الذين جلّ حديثهم العلاقة مع فلانة أو فلان, وتبادل الأحاديث الغرامية، وكلمات الحب، أو المشاعر التي يبالغون في تضخيمها وتعاطيها؛ حتى يغروا بذلك غيرهم أو يُغرُوهم بالتعلق بمثل هذه الأمور, حتى أصبح هذا الأمر مصيبة عامة طامة لدى الكثير من الشباب, وربما تعلقت الفتاة بفتاة مثلها، فأصبحت تحاكيها وتركض وراءها, وتقلدها بحركاتها وسكناتها ولبسها وأعمالها وأقوالها وتسريحة شعرها, وكل أمورها، ولا تصبر عنها طرفة عين أو لحظةً من نهار.
وربما تعلق الفتى بشاب مثله، فأصبح يركض وراءه، يركب معه في السيارة، أو يُركبه في سيارته، ويقدمه على أهله ووالديه, ويحتفل به أعظم احتفال، ولا يصبر عنه، فإذا غاب أو سافر أصابه القلق والجزع والتوتر حتى يظفر به, وربما أعلم أن بعض الشباب يسافر مسافات بعيدة من أجل حبيبه ومعشوقه، وربما طلبت أمه أو أبوه أن يذهب لقضاء حاجة من البقالة على مسافة بضعة أمتار فلا يجيب ولا يفعل ذلك، فكل هذا من تعلق القلب بغير الله، وصرف هذه المشاعر المستودعة فيه إلى بعض المخلوقين الذين لا يضرون ولا ينفعون, بل محبتهم على هذا الوجه محبة ضارة يُعذَّبون بها في الدنيا، بأن يحول الله تعالى بينهم وبين من يحبون, فيعذبهم بمن يحبون في الدنيا, أما في الآخرة فإنهم يحال بينهم وبينهم، وتنقلب محبتهم عداوة, قال الله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] , وقال سبحانه {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [العنكبوت:25] .