زينة الظاهر وخراب الداخل

هذا الصنف من الناس يزينون ظاهرهم بالثياب واعتدال القوام والصحة والعافية, ولكنهم يغفلون عن بواطنهم، وهناك صنف آخر قد يزين ظاهره ببعض الأعمال الصالحة التي يراها الناس, ثم لا يخل بهذه الأعمال قط؛ لأن الناس قد اعتادوا أن يروها منه، فلو أخل بذلك لقال الناس عنه: فلان قد ضعف، أو رقَّ دينه، أو قلَّ إيمانه, أو تراجع, أو انحرف, وربما نال الناس من عرضه، أو انكسر جاهه عندهم, لأن جاهه مبني على أنه إمام, أو عالم, أو داعية, أو فقيه, أو مفتٍ, أو شيء من هذا القبيل, فلو أخلَّ ببعض الأصول التي اعتادوها منه ظاهراً, لخاف أن يتناول الناس عرضه، فيحافظ على هذه الأشياء الظاهرة أتم المحافظة؛ لئلا ينكسر جاهه عند الناس، ولكنه لا يعتني بذلك من باب الموافقة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم, أو الحرص على طاعة الله جل وعلا.

أما باطنه فقد يكون مهدوماً, فربما كان ذا عقل دنيوي ضيق، لا يفكر في الآخرة ولا في الاستعداد لها، ولا يفكر في أمر الأمة ومصائبها ومشكلاتها، وطرق الخلاص منها وسبل العلاج, ولا يفكر في أمر الدعوة إلى الله تعالى والسعي في أسبابها, فأفكاره محدودة قصيرة, وطاقته العقلية ربما كانت مهدورة بغير طائل, أو هو ذو قلب لا يحمل المشاعر النبيلة العظيمة التي يجب أن تكون فيه, كمحبة الله تعالى، أو محبة عباده الصالحين، أو خوف الله, أو رجاء ثوابه, أو سوى ذلك من المشاعر المشروعة في دين الله تعالى؛ فهو يحب وكل إنسان من طبيعته أن يحب, وكل إنسان من طبيعته أن يبغض، إذ كل إنسان هو ذو قلب، والقلب هو محل الحب والبغض، والرضا والسخط، والفرح والحزن وما أشبه ذلك من المشاعر, فهو يحب, ولكنه يحب ويبغض في غير الله تعالى، فقد يحب أعداء الله تعالى, وقد يبغض أولياءه كما هو شأن المنافقين الذين يجعلون همهم وشأنهم وكيدهم مع اليهود والنصارى وسائر أعداء الدين، ويبغض الإسلام وأهله والصالحين.

أو قد يحب ما يضله ويفسد عليه باطنه, كمحبة الصور الجميلة, صور النساء الجميلات, أو صور الغلمان الحسان، صورة رآها في شاشة أو شاهدها في مجلة, أو اطلع عليها، أو صورة إنسان بصر به في الطريق عياناً فأعجبه، وعلَّق قلبه بحبه, فأصبح هّمه بالليل والنهار التفكير بهذه الصورة التي ارتسمت في خياله، وتعلقت في قلبه، فهو يصحو وينام عليها، ويصلي ويسلم وهو لا يذكر سواها, فتستذل هذه الصورة قلبه وباطنه، ويتعلق بها أعظم من تعلق العابد بمعبوده, كما قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015