المرأة والهاتف

الورقة الثالثة: هي ورقة المرأة والهاتف.

والمرأة والهاتف موضوع يطول، لكني أُلخصه في فقرات.

كثير من الفتيات تمتلك رقم هاتف خاص بها.

في غرفتها، وليس لأحد أي سيطرة عليه، ومع ذلك فإنها -أحياناً- لم تتلق في البيت التربية الإيمانية، والرعاية الأبوية الكافية، أو لم تتلق من ذلك شيئاً يذكر، وهنا الخطر الكبير! الثقة في غير محلها، وقد يسيء الإنسان أحياناً الظن بالأباعد؛ ولكنه لا يتوقع أبداً من أولاده وبناته إلا الخير، لماذا؟ لأنه يعرفهم منذ الصغر يعرفهم من أيام البراءة -براءة الأطفال- ويحس بأنهم لم يكبروا بعد، ويلاحظ أنهم يتميزون بالحياء والخجل، حينما يحادثهم فالبنت -مثلاً- لو كلمها أبوها في أمر الزواج؛ لطأطأت رأسها ولم تستطع أن تتكلم، فكيف يظن بها أبوها أنها من ورائه، قد تدير قرص الهاتف على ما لا يسوغ؟ يستبعد الأب هذا كثيراً؛ لما يرى من حيائها وخجلها منه، ولكنه يلصق هذا بالآخرين.

والواقع أن هذه الثقة في غير محلها، وأن الشيطان لا يوقر أحداً، ولا يحترم أحداً، ولا يقدر أحداً، وأنه يهجم على كل إنسان، وأن أي فتى، أو فتاة لم يتلق التربية الكافية، فإنه معرض لأن يسيء استخدام هذا الجهاز، خاصة حين يكون الجهاز خاصاً له في غرفته الخاصة.

جهاز البيجر، يقول لي أحد الإخوة: إن حوالي (50%) من أجهزة البيجر التي تسجل الرقم المتصل، أنها سجلت بأسماء فتيات، ومعنى ذلك أنه من الممكن أن تتصل على أي أحد، ثم يقوم هو بالاتصال عليها، من داخل البلد، أو من خارجها.

أصبحت المرأة الآن بحكم قعودها في المنزل، واهتمامها أحياناً ببعض أمورها، أصبحت أكثر اهتماماً ببعض هذه الأمور من اهتمام الرجل، أصبحت لا تجد غضاضة في الاتصال بجهات شتى، أكثر مما يتصل الرجل، أو ربما لا يتصل بها الرجل أصلاً.

فمثلاً: تتصل بالمدرسة للسؤال عن ولدها، أو عن أخيها ومستواه، وسبب فشله وتتصل بالخياط لأي تعديل طارئ على الموديل الذي اتفقت معه على الخياطة، أو لتأكيد الموعد المحدد، أو لغير ذلك من الأغراض وتتصل على مكتب الخطوط للحجز، وتأكيد الحجز، وتغيير وجهة السفر، بل وتحجز ليس لنفسها، بل لأهل البيت كلهم جميعاً، وتتصل ببعض الصحف والجرائد للسؤال عن مشاركتها ما مصيرها؟ أو لمجرد الحديث عن الكاتب فلان، أو لمجرد الإعجاب في المشاركة الفلانية، خاصة إن كان الكاتب كاتباً رياضياً وكثيرون يملكون القدرة على جر المرأة بالثناء، والمديح والإعجاب بفكرها، والإعجاب بأسلوبها الواعد، وقديماً قال الشاعر: خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء وقل أيضاً: والغواني يجرهن الثناء تتصل بالإذاعة عبر العديد من البرامج، لمجرد إسماع صوتها، وتعويدها على التحرر من عقدة الحياء -زعموا- فمثلاً: أفراح وتهاني، هذا برنامج يذاع، تهنئ البنت أختها فلانة، التي رزقت بمولود، وأختها فلانة هذه معها في المنزل، فتهنئها عبر هذا البرنامج، تهنئ زميلتها التي تزوجت، وقد تكون ساكنة إلى جوارها، وزميلتها الأخرى التي نجحت وقد تكافأ أحياناً بأغنية في الإذاعة، أو بمقطع من أغنية يسمعه الطرفان.

أما برنامج: (ألو إذاعة الرياض) فتتصل فتاة -مثلاً- لتطلب إعادة البرنامج الرياضي، الذي فاتها سماعه قبل يومين أو ثلاثة؛ لتعرف منه أخبار الدوري؛ بل في بعض البرامج حديث مع فتاة -وقد سمعت هذا بأذني- حديث مع فتاة على أبواب الزواج، يسمعه الألوف؛ بل الملايين من الناس، وهي تتكلم عن أمر الزواج، وقصة الزواج، والملابس، والأفراح، والمناسبة، وقضاء الإجازة وو إلى إلخ، وكل ذلك يتم بأصوات عذبة رقيقة، وكلمات ناعمة، وضحكات أحياناً تشق عنان الفضاء، وتبسط لا حدود له، وبدون مبالغة أقول: أكثر مما لو كان الحديث بين اثنتين في مجلس خاص، إذ أن مراعاة كسب إعجاب الآخرين، والمستمعين والمستمعات، هو أمر مهم، ونحن جميعاً ندرك مشاعر الإنسان، (الرجل، والمرأة) وما جُبل عليه من ضعف، ورغبة في الثناء والمديح، وكرهٍ لأن يقال: إن صوته كان خشناً، أو وحشاً، أو غير ذلك.

وقد تتصل الفتاة بالنادي الرياضي، لتأخذ رقم اللاعب، وقد رأيت هذا في جريدة رياضية، حيث يعتذرون عن نشر هذا الرقم، والوسيلة للحصول عليه على أي حال، ممكنة من غير طريق الجريدة وقد يتحدث معها السكرتير، ويعطيها الرقم، ولك أن تكمل بقية القصة وقد تتصل أحياناً بأي رقم لمجرد حب الاستطلاع، أو تسجية وقت الفراغ، أو يرمي لها رجل ورقة في السوق، فتجد بها رقماً؛ فتتصل عليه لمجرد المعرفة، فتقع على شاب تعود على أساليب الخداع والتضليل، وأصبح لديه خبرة في أساليب وطرق جر الفتاة شيئاً فشيئاً إلى ما يريد؛ وما هي إلا أيام، حتى يصبح هذا الشاب بقدرة قادر قيساً، لا يستطيع أن يعيش بدونها أبداً، وأن تركها له يُعد حكماً عليه بالإعدام، ولا يزال يمنيها بأحلام الزواج الذي لا يجيء، حتى تنصاع معه وتمضي معه إلى نهاية المشوار الأثيم.

ترق هذه المسكينة لحاله، تتلطف معه!! ويجلس معها على الهاتف أحياناً -وأنا أقول لكم عن معلومات، وليس عن ظن، ولا عن مبالغة- أكثر من ست ساعات نصف ساعة منها -على الأقل- في النهاية؛ لتحديد موعد المكالمة القادمة وجهاز التسجيل -أحياناً- يحتفظ -من حيث لا تدري- هي بكل ما يدور، وأخيراً! إذا جد الجد، وحزم الأمر، قال لها: لابد من اللقاء، فتمنعت وأصرت، فقال: لابد من اللقاء؛ وإلا فالأشرطة مسجلة عندي، وبعد اللقاء لابد من المصافحة، ولابد من وإلا، وكما يقول الأول: كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015