نحن جميعاً نؤمن بأن المطلع على كل شيء والعليم بكل شيء هو الله تعالى وحده، أما البشر فيحاولون، ويحاولون؛ ولكنهم بالضعف والنقص والغفلة موصومون؛ فلا يصلون إلى ما يطلبون، ويفوت عليهم كثير من الأمور وهم لا يشعرون: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227] .
وعلى كل حال فقد كان موقف الإسلام من التصنت واضحاً من البداية، فالتصنت على الناس؛ سواء أن تتصنت على مجموعة يتحدثون، أو يتسارون فيما بينهم، أو بأي وسيلة عصرية، هو تجسس، والله تعالى يقول: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات:12] وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {ولا تحسسوا} بل في صحيح البخاري، في كتاب التعبير عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من تحلم بحلم لم يره، كلف أن يعقد بين شعيرتين -يعني يوم القيامة - وليس بفاعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صب في أذنه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ} .
والآنك هو: الرصاص المذاب، والجزاء من جنس العمل، فكما أنه تصنت على الناس بأذنه، فإنه يعاقب يوم القيامة بأن يصب الآنك -وهو الرصاص المذاب- في أذنه يوم القيامة، هذا جزاء من تسمع أو استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، وهذا كمن نظر إلى قوم وهم لا يأذنون له في النظر في دارهم -مثلاً-، كما في الحديث: {من نظر إلى قوم ففقئوا عينه فعينه هدر} وهذا في الصحيح.
ومثله حديث معاوية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: {إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم} والحديث رواه أبو داود ويقول النووي: إسناده صحيح.
فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم بما علمه الله تعالى أن معاوية سيكون أميراً وحاكماً، فلفت نظره إلى هذا الأمر، وهو ألاَّ يتتبع عورات الناس، وأن يأخذ الناس بالأمر الظاهر، ولا يأخذهم بالظنة؛ لأن فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، هو أساس كل بلاء، ورأس كل مصيبة.
ليست هذه المهمة -مهمة التصنت- هي مهمة أجهزة الاستخبارات العالمية فحسب لا؛ بل إن الكثيرين من الشباب -مثلاً- يتصنتون على جيرانهم، أو يتصنتون من خلال أجهزة الهاتف على أصدقائهم، أو على زملائهم في العمل، أو يتصنت الأخ على أخيه، أو الأخت على أختها، بل إن هناك بعض الأجهزة تمكنهم من اكتشاف أي مكالمة، وعلى سبيل المثال: كثيرون يمتلكون موجة FM، ويستطيعون أن يلتقطوا مكالمات الهاتف السيار، أو الأجهزة اللاسلكية، حتى أن الرجل قد يتصنت على أهل بيته -على بناته، أو على زوجته- دون أن يكون هناك ريبة تدعو إلى هذا.
وكل ذلك يدخل في عموم النهي فيمن تسمّع إلى حديث قوم وهم له كارهون، وكل هذا يؤدي إلى النتيجة المحتومة، التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي: {فإن فعلت أفسدتهم أو كدت تفسدهم} .