وبصورة عامة فإنني أعتقد أنه ليس ضرورياً أن يكون الحديث إلى المرأة -دائماً- حديثاً خاصاً موجهاً إليها هي بالذات، فإن هذا الفصل بين المرأة والرجل? -الفصل الكامل- ليس له مكان، بمعنى أن الأصل في جميع التكاليف أنها موجهة إلى الرجل والمرأة على حد سواء! وأن الأنشطة الموجودة في المجتمع المسلم تشارك فيها المرأة كما يشارك فيها الرجل مع الالتزام بالضوابط الشرعية الواردة! وقليل جدّاً من الآيات والأحاديث التي نزلت تخاطب المرأة بالذات، أو تخاطب المرأة والرجل مع التنصيص على كل منهما، فأنتِ -مثلاً- قد تجدين في القرآن قول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35] ذكر الرجال وذكر النساء أيضاً، أو مثل قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] ثم في الآية التي تليها: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31] .
لكن هذا ليس بمطرد؛ بل الغالب أن النصوص في القرآن والسنة تأتي عامة ويخاطب فيها الجميع، دون حاجة إلى تخصيص الرجال دون النساء أو تخصيص النساء دون الرجال، وعلى سبيل المثال فقول النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً: {طلب العلم فريضة على كل مسلم} هذا الحديث اختلف العلماء فيه والراجح أنه حديث حسن؛ لكن بعضهم جاء بزيادة لفظ في الحديث وهي: {طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة} هذه الزيادة ليست بصحيحة ولا يحتاج إليها أيضاً، لأن قولنا على كل مسلم ليس المقصود به الرجل بالذات، بل المقصود به كل من اتصف بصفة الإسلام سواء أكان رجلاً أم امرأة، عربياً أم أعجمياً على حد سواء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي وغيره وسنده لا بأس به أنه عليه الصلاة والسلام قال: {إنما النساء شقائق الرجال} الله تعالى خلق آدم وخلق حواء قال تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1] .
فالمرأة خلقت من الرجل ومع الرجل، وهي شريكته في الحياة ورفيقة دربه وسفره، ولذلك لا يكون ثَمَّ حاجة في النص الشرعي إلى أن يكون هناك نص على الرجل، وبعد ذلك نص على المرأة كما هي الحال بالنسبة لبعض القوانين الوضعية، لا؛ لأن الله تعالى يخاطب المسلمين جميعاً بخطاب واحد، إلا إذا كان هناك حكم يخص الرجال بينه الله تعالى، أو هناك حكم يخص النساء بينه الله تعالى، وإذا لم يوجد هذا، ولا ذاك فالأصل أن الحكم عام شامل للجميع? ولا يحتاج الأمر إلى تخصيص فئة دون أخرى أو جنس دون آخر، وهذا من كمال عناية الإسلام بالمرأة ورفعه لمقامها جعل الخطاب لها مع الرجل على قدم المساواة كما هو الأصل.