النقلة التي حققها الإسلام للمرأة

ولا يدرك عظمة النقلة التي حققها الإسلام للمرأة إلا من تصور وضع المرأة في المجتمع العربي الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بلغته، كان ذلك المجتمع يبخس المرأة كل حقوقها أو أكثرها، وبما في ذلك حق الحرية في اختيار الزوج، وحق الميراث، وحقوق كثيرة جداً عادية فضلاً عن الحقوق الأخرى، كان المجتمع العربي في الجاهلية يحرم المرأة منها، وكانت مناداة الإسلام بحقوق المرأة في ذلك المجتمع من الأسباب التي تجعل العربي -أحياناً- يتوقف عن قبوله؛ لأنه أتى بأشياء مخالفة لما ألفه، ومع ذلك صدع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الدعوة على رغم ما فيها من مخالفة لمألوف الناس ومعهودهم وموروثهم؛ حتى أثبت الإسلام للمرأة تلك المكانة الرفيعة العظيمة.

وكم يدرك الإنسان العجب حينما يقارن مثلا بين المرأة في المجتمع الجاهلي حين كان الرجل يخجل أن يحمل بنته الصغيرة على كتفه أمام الرجال، ويرى أن هذا عيب ينقص من قدره، أو يحط من رجولته وإنسانيته، فكبرياء أبي جهل أو أبي لهب لا تطيق أن يحمل أنثى على كتفه أو يضعها في حجره في مجتمع الرجال؛ بل كان يصل الحال ببعضهم إلى أن يئدها وهي حية خوف العار، أو خوف الحاجة، فلما جاء الرسول عليه الصلاة والسلام تحدى هذه الأشياء؛ تحداها ليس بقوله فقط بل تحداها بفعله وهذا أكبر وأخطر، فكان عليه الصلاة والسلام لا أقول: يحمل بناته هو على كتفه أو يضعهن في حجره فهذا أمر طبيعي؛ لكن حتى بنات الناس تولد البنت لبيت من بيوت المسلمين فيأتون بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لها بالبركة ويضعها في حجره، ويطيب خواطر أهلها بمثل هذا العمل على مرأى ومسمع من أصحابه، متحدياً بذلك كثيراً من العوائد والموروثات والتقاليد التي كانت موجودة في البيئة الجاهلية العربية الأولى، فيدرك الإنسان عظمة النقلة التي أحدثها الإسلام.

هذا فضلاً عن أشياء أخرى كثيرة ليس هذا مجال الحديث عنها: -مثلاً- تأتي فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس، فيقوم لها ويجلسها إلى جنبه.

ما كانت البيئة العربية تطيق مثل هذا الأمر ولا تعرفه، أو اهتمام الرسول عليه الصلاة والسلام بزوجته عائشة وبقية أزواجه حتى يصل الحال إلى أنه يسافر فيسافر بها معه، أو يقول لأصحابه: تقدموا، ثم يتسابق هو وإياها، ومرة أخرى يتسابق، وفي الأولى فازت عائشة، وفى الثانية فاز النبي صلى الله عليه وسلم فكان يمازحها ويقول لها: {هذه بتلك} أي غلبتيني مرة وغلبتك مرة أخرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015