الحرص على تأليف القلوب

ندعو والخلاف قائم شئنا أم أبينا، وستقوم الساعة والمسلمون مختلفون فيما بينهم في مسائل تقل أو تكثر، وإذا كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اختلفوا في مسائل فقهية، واختلفوا في مسائل اجتهادية، واختلفوا في مسائل دعوية وجهادية؛ فغيرهم أولى وأحرى بالاختلاف، وإذا كان الخلاف قائماً ولا بد، فليكن تأليف القلوب هدفاً يتنازل الإنسان من أجله عن بعض المصالح المؤكدة، لأنه تنازل من أجل ما هو أعظم وآكد من هذه المصالح.

ألم ترَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلى وتنازل عن هدف كان يتمناه ويحبه، وهو بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، كما في حديث عائشة المتفق عليه.

تنازل عن هذا من أجل تأليف قلوب الناس، وعلَّل ترك هذا بقوله: {لولا أن قومك -أي: عائشة - حديثوا عهدٍ بجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم} .

ألم ترَ أن النبي صلى الله عليه وسلم، علل عدم قتل المنافقين الموجودين في الصف المسلم، والذين كان لهم دور خطير في إشاعة الفتنة بين المسلمين، اعتذر عن قتلهم بقوله -كما في حديث جابر المتفق عليه-: {لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه} فعمل صلى الله عليه وسلم على تأليف القلوب وجمعها، ولو أدى ذلك إلى التنازل عن بعض الأشياء التي نعتقد أنها حق وصواب وخير، وأن فيها مصلحة، فإن مصلحة جمع الكلمة وتأليف القلوب وتوحيد الصف؛ من أعظم المصالح التي أمر الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلم.

إننا -أحياناً ومن حيث لا نشعر- نلقي حطباً على نار الاختلاف والفرقة، وكأن العمل على وحدة المسلمين ذنب لا ينبغي أن نطالب به ولا أن ندعو إليه؛ أو على الأقل كأن وحدة المسلمين ليست مطلباً شرعياً، ينبغي أن يكون أمراً يتحرك في قلوبنا، ويسري في دمائنا وعروقنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015