ويكون ذلك بالحرص على كمالهم وهدايتهم، والحرص على أن يقبلوا مني النصيحة التي أقدمها لهم، فأنا لا أنطلق من منطلق التنقص لهم، ولا من منطلق الحطَّ من قدرهم، ولا أقصد بما أقول إسقاط فلان أو علان، أو إزالته عن مكانته، بل أريد أن أؤيده وأساعده وأنصره وأقف معه، وأفرح لفرحه وأحزن لحزنه، ومع ذلك إذا قدمت له النصيحة فهي النصيحة التي أتوج بها كماله، ولهذا قال الله تعالى في الآية السابقة: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران:159] فالعفو عن أخطائهم والاستغفار لهم هو طلب الكمال لهم، والحرص على بلوغهم هذه الدرجات العليا.
إن الحريص على انتشار الخير الذي يملكه هو ويريد أن يوصله إلى الناس، لا يستنفر مشاعر الآخرين ليردوا ما عنده إن كان عاقلاً، بل يحرص أن يتسلل إلى قلوبهم بأفضل الوسائل، وما أريد بيانه أن أقول لك: ليس شرطاً أن أُشعر زيداً من الناس في البداية، أنك يا زيد قد أخطأت وتعديت، وقلت وفعلت، ويجب عليك، ويجب عليك؛ لأن هذا الأسلوب التعليمي المباشر قد لا يقبله الكثيرون، ومن الصعب عليهم أن يعترفوا بأنهم أخطئوا، وقد لا يكون الخطأ خطأً محضاً، وقد يكون بتأويل، أو باجتهاد، أو بعضه صواباً، وقد يكون صواباً وأنت المخطئ لأنك لست معصوماً، ولست الناطق الرسمي باسم القرآن والسنة، فانتبه لهذا.
وبناءً عليه لا يلزم أن تشعره في البداية أنه أخطأ، بل أعرض عليه بالأسلوب الهين اللين الناصح، الذي لا يشعر معه بأي لونٍ تمارسه أنت، من ألوان التسلط أو الأستاذية أو الاستعلاء أو الاتهام، بمعنى أنني حين أدعوك أحرص على ألاَّ أثير مشاعر الرفض في قلبك، بل أحرص على أن يتسلل الكلام إلى قلبك، دون شعور منك بأنني أعطيتك شيئاً جديداً، لماذا؟ لأنني لست أهدف إلى أن تشكرني وتذكرني، ولا أهدف إلى أن أقول: أنا أعرف وأنت لا تعرف، وأنا على صوابٍ وأنت على خطأ، هدفي أن يوجد هذا الخير والحق، ولهذا كان الإمام المتجرد الشافعي رضي الله عنه يقول: والله لوددت أن هذا الخلق تعلموا العلم وأنه لم ينسب إليَّ منه حرف.