ولا بد من العناية بالمطالب الشرعية المتمثلة في المعروف الذي أمر الله به ورسوله، وفي المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، بماذا أمر القرآن؟ أمر بالبر، والتقوى، والإحسان، والإسلام، والإيمان، والعلم، والصلاح، والخير، والعمل الصالح، والعلم النافع، والعبادة، وصلة الرحم، والإقساط، وكل هذه الأمور من جلائل الأعمال التي ينبغي أن نوجه نفوسنا وغيرنا من المدعوين إليها، ومثل ذلك الحديث النبوي، وعن ماذا نهى القرآن؟ نهى عن الكفر والنفاق والشرك والعدوان والقطيعة، وغير ذلك من المفاسد التي ينبغي أن نشغل أنفسنا وغيرنا بتعلمها، والنهي عنها ومحاربتها والتحذير منها، ولو تأملنا كم تأخذ هذه الأشياء من وقت الدعاة، لوجدنا أنها لا تأخذ إلا القليل، أما الكثير من الوقت -خاصةً حينما نجتمع- فإننا نصرفه في أمورٍ لا نُسأل عنها يوم القيامة، فلو أننا أقبلنا على تعلم دين الله تعالى أصولاً وفروعاً، عقائداً وأحكاماً، وتعلم العبادة وتطبيقها، وتعلم الأخلاق الفاضلة، من صلة الرحم، والإحسان للجيران، والزملاء، والأقربين والأباعد، وغير ذلك، والدعوة إلى الله تعالى، وأن نصل إلى كل طبقات المجتمع، فنستطيع أن نصل إلى كل الشباب، ونصل إلى التجار، ونصل إلى المرأة، ونصل إلى الأطفال، ونصل إلى جميع الطبقات، ونخاطبها بالدعوة ونؤثر فيها، وأقل ذلك أن نكسب قلوبها وولاءها لدين الله -تعالى- ودعوته؛ لفعلنا خيراً كثيراً، ولو أننا أقبلنا على القراءة والانتفاع ومعرفة ما يجري، والجهاد في سبيل الله -تعالى- ومتابعة أخبار الجهاد، ومناصرة المجاهدين في كل مكان، وأقبلنا على الخطابة، وأقبلنا على التدريس؛ لوجدنا من جراء ذلك خيراً كثيراً، ولم يبق لدينا وقت نصرفه في قيل وقال.
إن الفراغ من أهم الأسباب التي تجعلنا -أحياناً- ننصرف تلقائياً لتلك الأقوال التي لا نخرج منها بطائل، وأيُّ ثمرةٍ يجنيها شابٌ وهو قد قضى عمره من سن السادسة عشرة إلى الثاني والعشرين، لا يحسن إلا الكلام في فلانٍ وعلان، مع أنه لا يزال غض الإهاب طرياً، لم يملك ناصية العلم والمعرفة، ولا عنده معرفةُ بالأصول، ولا غير ذلك، لأنه شُغل عنه بهذه الأقوال، وشغل ببنيات الطريق: فهذا الحق ليس به خفاءُ فدعني من بنيات الطريق