شباب الصحوة وجدل حول مسائل الاجتهاد الفقهي

ومع ذلك أرى اليوم من شباب الصحوة؛ من لم يتفطن إلى بُعد الهوة والشقة بيننا وبين هؤلاء الأعداء، ولا إلى عمق التأثير الذي أحدثوه فينا وفي بلادنا، وأدياننا وعقولنا، وأصبح مشغولاً بالأقربين، يحاربهم ويعمل على مقاومتهم، ويتصدى لتأثيرهم، ويبذل وسعه في الوقوف في وجوههم، فصرنا في جدلٍ لا يهدأ، ولا يقر له قرار ولا يهدأ له أوار، حول مسائل اجتهادية تحتمل الخلاف.

والعجب كل العجب؛ أن كل من حادثته في أمر الإسلام، وتفرق المسلمين، واختلاف الدعاة؛ وجدته يحمل قلباً يتحرق على هذا الاختلاف، ويتميز غيظاً لهذا التفاوت، ويحزن ويتباكى على هذا الصف المنقسم، والوحدة المشتتة؛ ولكننا في الوقت الذي نتباكى فيه على الوحدة، ونصيح فيه على الاختلاف، إلا أننا جميعاً جزءٌ من هذا الواقع الفاسد المريض، الذي يقيم معنا حيث أقمنا، ويرحل معنا حيث ارتحلنا، فإن بقينا في ديارنا بقي الخلاف والشتات معنا، وإن رحلنا لنصرة حقٍ هنا، أو إقامة جهادٍ هناك، نقلنا جراثيمنا وأمراضنا حيث انتقلنا، وهناك وجد التناقض والاختلاف بيننا كما وجد في بلادنا، وكأن هذا يوحي إلى أننا حين نبكي على الفرقة ونحزن لها؛ نتمنى أن يجتمع الناس على رأينا ومذهبنا، وعلى جماعاتنا، وعلى متبوعنا، وهيهات هيهات! ما اجتمع الناس على الحق حتى يجتمعوا على الباطل! وما اجتمع الناس على النص حتى يجتمعوا على رأيي أو على رأيك؟! ونحن جميعاً نقر من الناحية النظرية، أن المسائل الفقهية الخلافية مما لا ينبغي أن تكون مجال تضليل أو تفسيقٍ أو تبديع، وا ولاءٍ ولا براء، فلا ينبغي أن أسبك أو أعاديك أو أحاربك، أو أنقص من قدرك، لأنك اختلفت معي في مسألةٍ فقهية خلافية، ليس فيها حقٌ وباطل، وهدىً وظلال، وإنما فيها راجح ومرجوح، وصحيحٌ وأصح.

فمن الناحية النظرية ربما نقر كلنا بهذا لكن حين أصلي إلى جوارك وأراك تضع يديك على صدرك وأنا أضعها تحت الصدر؛ أشعر بشيءٍ من عدم الرضا عنك، وأنسى أن هذه مسألة خلافية، تحتمل الاختلاف حولها، وحين أراك تخر ساجداً فتقدم ركبتيك، أنسى أن هذه مسألةٌ خلافية، أجمع العلماء أنه لا مدخل لها في أركان الصلاة، ولا في شروطها، ولا في واجباتها، وإنما الخلاف في الأولى والأفضل من ذلك، أنسى هذا وأحمل في صدري عليك شيئاً! لأنني أرى أنك خالفتني حينما قدمت ركبتيك قبل يديك وأنت تهوى إلى السجود.

ومثله حين أصلي إلى جوارك، فأراك تجلس جلسة الاستراحة بعد الركعة الأولى أو الثالثة؛ فأجد في قلبي عليك شيئاً، وأحس أنك خالفتني في هذا الأمر، ولا يقف الحد عند مجرد الجدل بالتي هي أحسن، والنقاش العلمي الموضوعي، بل يتعدى إلى ارتفاع الأصوات، ويتعدى إلى التنابز وإلى الاختلاف، وربما قلت لك يوماً من الأيام: صحيح أن هذه المسائل فرعية وخلافية، ولكنها أصبحت شعارًا لفئةٍ أو طائفة، فلا بد من التميز بها.

لماذا أجعل الأشياء في غير مواقعها الشرعية، وأخلف المدارات التي وضعها فيها الشارع الحكيم؟ وهكذا آلاف المسائل التي لو ذكرت لكم اليوم بعضها، ربما ثار الخلاف حول كلامي نفسه، وربما أحجم البعض عن مواصلة السماع لما أقول، لأنه رأى أنني لمست قضية تمسه وتخصه هو شخصياً، فنحن نوافق على ذم الخلاف والفرقة، ولكننا لا نوافق أن يمس أحد ما نهتم به ونعانيه، ونعتبره جزءاً من تكويننا وشخصيتنا ووجودنا، ولا نقبل النقاش الهادئ حوله مع الأسف الشديد! بل أحياناً يتعدى الأمر إلى أن نربط المسائل الاجتهادية الشرعية الفرعية، بأصل أو بمنهج، وذلك محاولةً منا لتأصيل الخلاف بيننا وتعميقه، وكأننا لم نقنع بالخلافات الحقيقية التي تعصف بالأمة، فصرنا نلتمس سبيلاً لمزيدٍ من الخلافات الوهمية، التي نريدها أن تجهز على البقية الباقية من إخائنا ومحبتنا ووحدتنا وصفاء قلوبنا، هذا مثل وهو متعلق بالمسائل الفقهية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015