تنتقل إلى جرحٍ آخر نازف في الصومال، فتجد أن هذا البلد الإسلامي الذي لا يوجد فيه نصراني واحد في الأصل، بل هو مسلم (100%) أن النصارى والغرب استماتوا في تقسيم وتمزيق هذا البلد، حتى إنهم قسموه إلى خمسة أجزاء في عهد الاستعمار -ما بين الصومال البريطاني، والفرنسي، والإيطالي، والكثير إلى غير ذلك- ثم سلطوا عليه حاكماً فاسداً فاجراً: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً} [التوبة:10] حتى أشاع النعرات القبلية، واضطهد هذا البلد، وحارب الإسلام، وجعله في وضع مآساوي مريع، وقتل العلماء، وعلقهم على أعواد المشانق، ثم لما وصل البلد إلى هذا المستوى الفظيع، أنسحب هذا الحاكم، وفرَّ بنفسه وأعوانه وأمواله وجنوده، وترك هذا البلد يتصارع بعضه مع بعض، والغرب يتفرج على هذا الصراع، ويُغذي الجانب الأضعف، حتى يتمكن من المقاومة، وظل الغرب زماناً طويلاً، وهو ينظر إلى أبشع مأساة إنسانية في هذا القرن، حيث يُتعرض أكثر من ثلاثة ملايين مسلم، إلى الموت جوعاً بسبب المجاعة، والفقر، والمرض، والعطش، بسبب الأوضاع الصحية السيئة المتردية إلى أبعد الحدود.
ولذلك صرحوا بأننا تأخرنا في قضية إغاثة الصومال، أكثر مما يجب، وهذه الأعداد التي تُعاني من الفقر والمجاعة، هي هاربة من جحيم الحرب، هذه الحرب التي أوجدها الغرب بين عملائه من العلمانيين الذين يحملون شتى الأسماء والشعارات واللافتات، وهم على كل حال مدافعون عن مصالح الغرب، وهي الفرصة الذهبية للمنظمات التنصيرية، حيث أصبحت تستقبل أعداداً كبيرة من الهاربين من جحيم الحرب، والفقر، والمجاعة، وقد تكلم أحد التقارير المتأخرة التي وصلتني قبل يومين، عن بعض المشاهدات.
فعلى سبيل المثال: أعداداً غفيرة من الناس، تقف طوابير عند إحدى المنظمات، لماذا؟ لأجل أن تسجل أولادها وأطفالها في قوائم الراغبين في السفر إلى أوروبا، وأمريكا، حتى يجدوا الحياة المطمئنة هناك وهم أطفال، وقطعاً سوف يتخرج هؤلاء قُسساً ورهباناً، ومنصرين، ثم يعودون إلى الصومال بأسماء نصرانية، ويحملون الصليب بيد، والإعانة بيدٍ أخرى، وربما عادوا حكاماً للصومال في وقت من الأوقات كما يطمح الغرب، وإحدى المنظمات النصرانية الأخرى، تمد العون للمسلمين، ثم يقول أحد المسئولين فيها بصوت جهوري، يقول: ها نحن نقدم لكم الكساء والغذاء، فأين المسلمون؟! فماذا تتصور إزاء مثل هذا الوضع، ثم تجد أن جميع الدول الإسلامية، لم تُبدِ واحدة منها استعداداً لاستقبال اللاجئين المسلمين، بل لقد مكث اللاجئون في البحر أياماً طويلة على حدود اليمن قبل أن يؤذن لهم، حتى مات منهم في الباخرة أكثر من مائتي إنسان!! وماذا يشكل موت مائتي إنسان مسلم على الباخرة؟ إنه أمرٌ عادي غير ذي بال.
إنك تأسف حين تعلم أن أكثر اللاجئين المسلمين الصوماليين ذهبوا إلى أوروبا وأمريكا، فنصف اللاجئين تقريباً في أوروبا وأمريكا، أما النصف الآخر فهم موجودون في كينيا وغيرها من الدول المجاورة.
وتحزن أكثر حينما تعلم أن منظمة الصليب الأحمر الدولي، قد خصصت أكثر من (20%) هذا العام من ميزانيتها لإنقاذ الوضع في الصومال، وأي شيء هي منظمة الصليب الأحمر الدولي؟