وقفة ثالثة: لم تدخل الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل معركة واحدة وقوتها أكبر من قوة عدوها أبداً، اللهم فيما ذكر في معركة حنين ولعلها من المعارك النادرة التي دخلها المسلمون وكانت قوتهم أكبر من قوة عدوهم، ولعله من العجيب أن ينهزم المسلمون في أول تلك المعركة، كما قال الله عز وجل: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25] فانهزم المسلمون في أول الأمر في حنين لأنهم اعتمدوا على قوتهم ورأوا أنهم لن يغلبوا، فلم تغن عنهم هذه القوة شيئاً مصداقاً لقول الله عز وجل: {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:19] .
فلم يدخل المسلمون معركة من المعارك بقوتهم الذاتية ولم تكن أسلحتهم أقوى وأفتك من أسلحة عدوهم، وعددهم أكثر من عدد عدوهم، بل إن الله عز وجل يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] أي: أن المهم ألا تقصروا أنتم في جمع القوة التي تستطيعون، وبعد ذلك دعوا الأمر لله عز وجل فإنه يصل قوتكم بحوله وقوته فينصركم على عدوكم، ولكن لا بد من إعداد ما تستطيعون، أما ما لا تستطيعون فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
ولما دخلت الأمة معتمدةً على قوتها في أي معركة؛ فإنها كانت تنهزم وتخرج من المعركة خاسرة ذليلة، كل أمة دخلت المعركة -وخاصةً الأمة الإسلامية- معتمدةً على عددها وعدتها فهي أمة منهزمة.
إنما المسلم كالفلاح الذي يضع الحب في الأرض ثم يرفع يده إلى السماء وينتظر أن ينزل الله تعالى المطر: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:63-67] .
إذاً أنت تفعل السبب ثم ترفع يدك إلى الله عز وجل؛ لأنك تعلم أن السبب وحده قد يجني عليك، وكما قيل: إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده كم من إنسان فعل سبباً يحسب أنه في صالحه، فكان هذا السبب هو أعظم وسيلة إلى فشله! كم من أمة افتعلت حرباً تظن أنها سوف تكسبها فخرجت من هذه الحرب منكسة الرءوس مهزومة ولم تقم لها بعدها قائمة! فلا يجوز أن تعتمد الأمة على قوتها أو قدرتها فقط، والمطلوب من الأمة على كل حال أمور: