إننا لو كنا أمام مجموعة من الدول كلها تتنافس على نيل السيطرة والهيمنة على البشرية اليابان -مثلاً- وفرنسا وبريطانيا، وأمريكا، وروسيا، وكل دولة تنافس الأخرى، لكان المسلمون يستطيعون أن يستفيدوا من هذا التناقض، وهذه الحرب القائمة بين هذه الرءوس المتعددة، ويحرص كل طرف من هذه الأطراف على نيل رضاهم، وكسبهم إلى صفه والانتفاع من خيراتهم الكثيرة الموجودة في بلادهم، ومن أعدادهم الغفيرة ومن إمكانياتهم الهائلة، ومواقعهم الاستراتيجية المعروفة، لكي يستفيد من كل هذه الأشياء ويستفيد المسلمون بالتالي، لكن حين يكون الزبون واحداً فقط، فإنه يتحكم كما يشاء دون أن يجد من ينافسه.
ولذلك فإنني أقول: إن هناك دولاً لو تقدمت في المضمار العالمي، لكان هذا -إن شاء الله- خيراً للإسلام والمسلمين، وأضرب مثلاً بقضية اليابان، فقد أصبحت -كما تعلمون- تتقدم في اقتصادها وتصنيعها، وتتقدم في علومها وتقنيتها بشكلٍ كبير، ولا شك أن اليابان على ما فيها أفضل للمسلمين من الدول اليهودية أو النصرانية، فاليابان دولة وثنية لا تختص بدينٍ معين، ولذلك فهي معرضة لأن تتقبل الإسلام.
فالوثنيون إذا رأوا نور الإسلام والوحدانية، وضياء الإيمان أشربته قلوبهم وأقبلوا عليه لأنهم لم يتمسكوا من قبل بدينٍ سماوي أو شبهة دين سماوي، بخلاف اليهود والنصارى فإنهم يعتقدون أن معهم وثيقة -كما يزعمون- من السماء وهي الإنجيل والتوراة، ولذلك يتشبثون بها ويرفضون ما عداها، فاليابانيون في غالبهم وثنيون.
أمرٌ آخر هو مبنيٌ على الأول أن اليابان كدولة وثنية لا تحتفظ بتاريخ من الصراع والحروب مع المسلمين، بل تاريخها مع المسلمين تاريخ عادي، ليس هناك أية خلفيات معينة، بخلاف اليهود والنصارى -والشيوعيين- فإنهم يحتفظون بتاريخ طويل من المعارك مع الإسلام ومع المسلمين، وهذا التاريخ يؤثر فيهم ويصنع عقولهم ويتلقاه صغارهم عن كبارهم، وهو عبارة عن منهج يتربون على وضعه.
وحين أقول: اليابان لست أعني أن الأمة الإسلامية ستظل إلى الأبد أمة ضعيفة تأخذ من فتات موائد الآخرين إما من الشرق وإما من الغرب، وإما من الشمال أو الجنوب، فليس هذا هو قصدي بالكلام.
مثلما يضربون في المثل العامي ويضحكون من رجل كان يقول: اللهم إني أسألك أن تغني فلاناً حتى أستدين منه، لا.
نحن لسنا نسأل الله أن يرفع دولاً أخرى حتى ننتفع منها، كلا.
لكننا نعلم أن نظام الحياة محكومٌ بسنن، والله عز وجل وضع في هذا الكون سنناً مطردة.
وليس صحيحاً أن الأمة الإسلامية التي عاشت قروناً في ضعفٍ ونومٍ عميق وسبات طويل، وما زالت لم تضع قدمها في الطريق الصحيح؛ سوف تنهض بين يومٍ وليلة وتصبح رائدة في مجال العلم والتقدم البشري، وتقود الأمم كلها، هذا أمر سيكون بإذن الله تعالى كما وعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو كائن لا محالة، لكن لا يمنع أن يكون هذا أمرٌ يقع بالتدريج وأن تكون الأمة المسلمة تترقى شيئاً فشيئاً ويصنع الله لها بحكمته ورحمته سلماً ترتقي من خلاله إلى ما أراده لها.
ومن هذا أن توجد دولٌ عديدة تسعى إلى كسب ود المسلمين ونيل رضاهم والانتفاع بما لديهم، فتتنافس هذه الدول ويستفيد المسلمون من هذا التنافس.