الوقفة الثانية: هي أن الله جعل نظام الحياة والبشرية في هذه الدنيا يقوم على أساس المدافعة كما قال الله عز وجل: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [البقرة:251] وقال: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] ولهذا فالحياة البشرية من يوم أن خلق الله أبونا آدم عليه السلام وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا تخلوا أبداً من عداوات هنا وهناك، وخصومات متنوعة مختلفة، وحروبٍ تقوم هنا وحروبٍ تقوم هناك، وأحلافٍ تقوم هنا وأحلاف تنفض هناك.
إذاً: فنظام الحياة البشرية جعله الله قائماً على مبدأ المدافعة -أو ما يسمونه بمبدأ الصراع- الصراع بين الخير والشر بل وحتى الصراع بين قوى الشر بعضها مع بعض، وهذا الصراع بين قوى الشر بعضها مع بعض لا شك أنه في مصلحة الإسلام، صراع الكافرين مع الكافرين، صراع النصارى مع اليهود -مثلاً- صراع الشيوعيين مع اليهود والنصارى، فصراع الأمم الكافرة بعضها مع بعض هو لا شك خيرٌ للإسلام، ولا يمكن أن تخلو الحياة البشرية من مثل هذه السنة بحالٍ من الأحوال.
إن فكرة أن ينفرد شعبٌ من الشعوب أو أمة من الأمم فقط بالسيطرة والهيمنة على مقدرات الكون والدنيا وخيرات الشعوب؛ وعلى الأمم كلها، وأن تصبح الكلمة الأخيرة ويصبح القرار الأخير بيدها هذا تصورٌ بعيدٌ عن معرفة سنن الله تعالى في الكون، ولذلك تجد إلى وقتٍ قريب أن الصراع كان قائماً بين الشرق والغرب، بين الرأسمالية في الغرب وبين الشيوعية في الشرق، فبعدما حصل التخلخل والانهيار في النظام الشيوعي هل تتصور أن الغرب تفرد بحكم البشرية، وآل الأمر إليه وانتهت السنة الإلهية في دفع الأمم بعضها ببعض؟ لا أبداً، لا تتصور هذا بحالٍ من الأحوال، فدفع الله الناس بعضهم ببعض قائمٌ باقٍ إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.