صورة أخرى من صور الشرك بالله عز وجل: إن الله تعالى قد نص في كتابه على أن التشريع والدين، إنما يُتَلَقَّى من عنده فقال سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] فالدين والشرع لا يؤخذ إلا عن الله، والتحليل والتحريم لا يؤخذ إلا عن الله وعن رسوله.
فأنت تجد اليوم كثيرا ًمن المسلمين لم يحققوا هذا المعنى، ولم يحققوا معنى الكفر بالطاغوت؛ بل أصبحوا يتلقون نظمهم وتشريعاتهم، وقوانينهم، وأنماط سلوكهم عن الكفار، من الأوروبيين وغيرهم؛ وأصبحت تجد بين المسلمين من يؤمن بالنظريات والمذاهب الإلحادية المعارضة للإسلام، والمنافية له، سواء في مجال الاقتصاد، أو الاجتماع، أو علم النفس، أو غيرها؛ وأصبحت تجد بين المسلمين من يأخذ النظم والقوانين والتشريعات المختلفة لجميع شئون الحياة؛ فيطبقها في خاصة نفسه، أو في من يستطيع تطبيقها عليه، مما ينافي الدين، ويعارض أصله، وهذا لا يعني -بطبيعة الحال- النظم الإدارية البحتة التي أذن الإسلام بالاستفادة منها مما عند الأعداء؛ فهذا يختلف عن تلقي القوانين والشرائع المتعلقة بالدماء والأعراض والأموال، وبغير ذلك من الخصومات والحكومات بين الناس على مستوى الفرد والمجتمع الذي يعتبر لوناً من ألوان الشرك بالله عز وجل؛ ولذلك قال الله تعالى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:26] وفي قراءة {وَلا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:26] فهي نفي ونهي -في نفس الوقت- عن أن يشرك المسلم في الحكم أحداً مع الله عز وجل؛ فلا حَكَم إلا الله وله الحكم، ولا يجوز أخذ الأنظمة والشرائع والقوانين إلا منه سبحانه.