الشرك في العبادات

فمن الشرك الظاهر -مثلاً-: توجيه العبادة لغير الله؛ سواء بالصلاة، أو الدعاء، أو النذر، أو الذبح، أو بالحب والخوف والرجاء وغيرها للأنبياء، أو الأولياء، أو الصالحين، أو المقبورين، وأنت تجد في كثير من بلاد المسلمين هذه القبور والأضرحة، التي يطاف بها وينذر لها، ويتقرب إليها؛ بل ويصلى إليها! وقد حدثني بعض إخواننا من بعض البلاد الإسلامية، فقال: والله لقد رأيت بعيني رجلاً في إحدى البلاد الإسلامية، وهو مستقبل للقبر مستدبر للكعبة، قال: فظننته يدعو -وإن كان الدعاء لا يجوز؛ لكن يقول: إن الأمر قد يكون غير مستغرب- يقول: فما لبث هذا الرجل أن ركع وسجد؛ فعرفت أنه يصلي مستقبلاً القبر والذي حدثني شاهد عيان لهذا الحادث.

أما الطواف بها، ونذر القرابين لها، والدعاء عندها؛ فحدّث ولا حرج وفي كثير من مجتمعات الأرياف، وفي أوساط السذج البعيدين عن المعرفة؛ تجد أن الاستشفاء للمريض يكون عند القبر؛ سواء بالدعاء، أو بالذبح، أو بالنذر، وقد يسافر الواحد منهم مئات الكيلو مترات ويتجشم المشاق، ويضيع كثيراً من ماله في هذا السبيل، وهذا بلا شك شرك أكبر؛ بل إن هذا هو بالضبط، وبدون أي فرق، هو الشرك الذي وقعت فيه قريش، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليحرر الجزيرة العربية والعالم كله من قبضة هذه الوثنية، وهذا الشرك؛ لأن هؤلاء القوم الذين يوجهون عبادتهم للمقبورين اليوم ليسوا يعتقدون إلا أن هذا المقبور يتوسط لهم عند الله فقط! وقريش كما قال الله كانت تقول: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] وكما قال سبحانه: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:18] في حين أن المعبودين أنفسهم هم عباد فقراء محتاجون، يتوجهون إلى الله بالدعاء والعبادة؛ ولذلك يقول الله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:57] أي: أن هؤلاء القوم المدعوين؛ كعيسى، وعزير، وغيرهم من الصالحين الذين يعبدون أولئك الذين يدعون، هم أنفسهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:57] .

فكيف يدعونهم وهم عبيد، يتقربون إلى الله عز وجل؟! فهؤلاء وقعوا في لون من الشرك الأكبر، ولا شك أن هذه الظاهرة الخطيرة موجودة في كثير من بلاد الإسلام، وهي قضية تمس أصل الدين والاعتقاد، ويجب أن تأخذ حقها من العناية والاهتمام، وإن كان الوعي -بحمد الله- قد انتشر أيضاً في بلاد إسلامية كثيرة، وأصبحت تجد في تلك البلاد من يستنكر مثل هذا العمل، ويدرك ما ينطوي عليه من خطورة، ويدعو إلى الرجوع بالإسلام، وبالدين، وبالعقيدة الصحيحة، إلى نقائها وصفائها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015