الغلو في محبة غير الله

من ألوان الشرك بالله عز وجل: محبة غير الله محبة لا تليق إلا بالله فيها ذل وخضوع فيها تأله، وطاعة مطلقة محبة لغير الله.

قد تكون محبة للمال -مثلاً- تجعل الإنسان يضحي في سبيل المال بكل شيء، ويجعل من هذا الدرهم والدينار، أو هذا القرش والريال؛ نُصباً وتمثالاً يتقرب إليه ويسبح بحمده، ولو لم يكن بلسانه، ولو لم يضعه ويصلي إليه؛ فالعبادة أصلها تنطلق من القلب إلى الجوارح والإنسان الذي يضحي في سبيل جمع القرش والريال بكل غال ونفيس، ويتعب، ويواصل سهر الليل بسهر النهار، ويذهب إلى أقاصي الدنيا، ثم يكون بيته إلى جوار المسجد -مثلاً- فيسمع المؤذن ينادي: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، فلا يستجيب لهذا النداء، ولا يؤدي الصلاة، ويسمع هذا النداء المكرر عليه، مع سهولة الاستجابة فلا يستجيب؛ فمثل هذا لا يمكن أن نقول: إنه مؤمن بالله، أو عالم بمعنى لا إله إلا الله، أو محقق لها بوجه من الوجوه، بل هو يعبد -في حقيقته- هذا الدرهم والدينار، وهذا القرش والريال.

ولذلك يقول الله عز وجل في محكم كتابه: {وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم:2] من هم الكافرون؟ {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} [إبراهيم:3] ويقول: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:16-17] وفي الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش} يدعو صلى الله عليه وسلم عليه بالتعاسة، ويسميه عبداً، عبداً: للدينار للدرهم للقطيفة للخميلة للخميصة.

كم يوجد -أيها الإخوة- من العبيد لهذه الأصنام الجديدة! كم يوجد من أصبح يتعبد لهذا الذهب الثمين البراق! وإذا أصيب بدينه لم يبال، فإذا أصيب بهذا المال؛ جن جنونه، وقد يصاب بضغط في قلبه، وقد يصاب بجنون حقيقي! بل منهم من يموت على أثر انتكاسةٍ مالية تنزل به! وقد يكون الحب لشيء آخر غير المال قد يكون الحب للصور صور النساء، مثلما يتعلق شخص بامرأة يعشقها، ويتأله قلبه إليها، وتستولي محبتها على قلبه، فيصبح خيالها لا يفارقه في الليل وفي النهار وهو يصلي -إن كان يصلي مثلاً-؛ تجد هذه المرأة في مخيلته وهو يدعو؛ تجدها بين ناظريه، وهو ينام يحلم بها، فإذا وجدته سارحاً في أفكار وتأملات؛ وجدته يدور حولها، وهذا لون من الوثنية في منتهى الخطورة؛ لأنه يأسر القلب، وأسر القلب أخطر من أي شيء آخر، فإن مأسور البدن قد يكون معذوراً، قد يكون مسلماً أسره الكفار، وقد يتخلص منهم، ولو قتل عندهم لكان شهيداً؛ لكن مأسور القلب -والعياذ بالله- على خطر عظيم، وبعضهم يصرح بعبوديته لهذه المعشوقة، يقول قائلهم: لا تدعُني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي وكما تكون الوثنية في تأله القلب، وولعه في عشق الصور، وكما تكون في عشق الرجل لامرأة؛ تكون أيضاً على العكس من ذلك؛ بولع وتعلق امرأة برجل، فيقع لها من اندماك القلب، وانشغاله، وبلباله، وتوجه جميع همه وإرادته إلى هذا الرجل؛ حتى يصبح الأبوان -مثلاً- اللذان جبل الإنسان على محبتهما، يصبحان عند هذا المحب -رجلاً كان أو امرأة- ليسا على بال، ولا يكترث لهما، ولا يعبأ بهما، ويغفل عن أولاده، ويغفل عن أشياء كثيرة؛ لولع القلب بهذا اللون من المحبة.

وأنت لو تأملت الوسائل التي يتلقى منها الناس ثقافاتهم اليوم؛ لوجدتها تدغدغ هذه المشاعر، وتحرك هذا العواطف، وتحاول عبر وسائل كثيرة أن تملأ قلوب الشباب والفتيات بمعاني الحب المحرم، الذي يؤدي في حالات كثيرة إلى تعلق القلب بغير الله فلا تكاد تسمع عن فيلم، أو تمثيلية، أو ديوان شعر؛ إلا وتجده يضرب على هذا الوتر، ولعلكم تعرفون أنه يوجد شاعر من شعراء الدعارة والمجون، الذين لوثوا اللغة العربية بشعرهم، والذي وظف الشعر لوصف المرأة ومحاسنها، والتغزل بها، فكتب ديواناً كاملاً اسمه (أشهد) يشهد ماذا؟ يشهد (أن لا امرأة إلا أنت!) فهذا ينتسب للإسلام والإسلام منه براء، ما دام على مثل هذه الحال؛ لأن الإسلام لم يعرف منه إلا الشتم يشتم الله عز وجل! ويشتم الأنبياء والمرسلين! ويشتم المؤمنين! لكن: يشهد أن لا امرأة إلا أنت! إذاً: فتعلق القلب بالمعشوق -أياً كان المعشوق- هو نوع من تأله القلب وتوجهه لغير الله عز وجل، وهو في الناس اليوم كثير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015