من ألوان الشرك الذي يقع فيها المسلمون اليوم: التعلق بالأسباب المادية: فإن الله عز وجل جعل للمسببات أسباباً في الغالب، تتحقق بها؛ ولكن الله تعالى هو خالق السبب والمسبب، وهو قبل الأسباب، وإرادته فوق السبب ومع السبب، ولذلك فإن هذه الأسباب لا أثر لها إلا بإرادة الله، وهو الذي رتب عليها ما يكون بعدها.
والمسلم وإن كان يفعل السبب؛ إلا أنه يؤمن بأن الله هو خالق السبب والمسبب؛ لكن لضعف ارتباط الناس بالله عز وجل؛ صاروا يلاحظون أن الأسباب التي تفعل تؤدي إلى نتائجها في حالات كثيرة، أو في غالب الحالات فالمريض إذا ذهب للمستشفى؛ يحصل في غالب الأحوال على الشفاء، والطالب إذا اجتهد في دراسته؛ حصل على النجاح.
ومع الغفلة عن الإيمان اليَقِظ بالله عز وجل؛ أصبح الناس يتوكلون على هذه الأسباب، ويعتبرون أنها كل شيء، وينسون قدر الله تعالى وحكمه وراء ذلك، ولذلك يقتل الإنسان نفسه بالتعب في تحصيل الأشياء، وبذل الأسباب التي تعسُر؛ بل قد تكون أشبه بالمستحيل أحياناً، ثم إذا لم يحصل على ما يريد؛ تقطعت نفسه حسرات على ما كان! وهذا أمر ينبغي للمسلم أن يحرر قلبه منه.
أيها الإخوة: هذا المعنى المتعلق بالشق الأول من لا إله إلا الله؛ هو معنىً خطير عظيم، أي: توجه القلب، واللسان والجوارح لله عز وجل بكليته، فلا يمكن أن ينطق الإنسان بلسانه، وقلبه خاوٍ؛ لأنه حينئذٍ يكون منافقاً، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، ولا يمكن أن يكتفي الإنسان بإقرار القلب فـ أبو طالب كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرف أنه صادق في دعوته، ويقول في قصيدته المشهورة: لقد علموا أن ابننا لا مكذَّبٌ لدينا ولا يعنى بقولِ الأباطلِ فو الله لولا أن أجيء بسبة تُجر على أشياخنا في المحافلِ لَكُنَّا اتبعناه على كل حالة من الدهر حقاً غير قول التهازلِ ومع ذلك ورد في الصحيحين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن أهون أهل النار عذاباً رجل تحت قدمية جمرتان من نار يغلي منهما دماغه، ما يرى أن في النار أحداً أشد عذاباً منه، وإنه لأهونهم عذاباً} وفي رواية في الصحيح أيضاً: {أنه أبو طالب} .
إذاً: مجرد دعوى الإيمان في القلب، أو وجود شيء من الإيمان في القلب لا يكفي، والذين يقولون: ربك رب القلوب، والتقوى هاهنا، مخطئون في ذلك، بالمعنى الذي يقصدونه، وإن كانت الكلمة في أصلها صحيحة، لكنها كلمة حق أريد بها باطل فإنه لابد مع إيمان القلب من نطق اللسان، ولا بد مع نطق اللسان من توجه الجوارح بالعمل لتحقيق معنى ومدلول لا إله إلا الله.