وذلك أن نفوس كثير من الناس تحول دونهم ودون الاستقامة في بعض الأحيان, والله عز وجل قسم بين الناس أخلاقهم وطبائعهم كما قسم بينهم أرزاقهم.
تجد من الناس من هو مجبول على خصال الخير, من الكرم والرجولة والإخلاص والصدق والوضوح، وحب الإحسان للناس، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للأشج زعيم بني عبد القيس، قال له: {إن فيك خصلتين يحبهما الله عز وجل: الحلم والأناة.
قال: يا رسول الله! أخصلتان اكتسبتهما أم جبلت عليهما؟ قال: بل جبلت عليهما.
قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحبه الله ورسوله} والحديث حسنه الترمذي وغيره.
فأنت ترى أن مثل هذا الرجل مفطور على خصال طيبة, فعنده قابلية للخير, واستعداد نفسي له, وبالمقابل تجد آخرين جبلوا على ضد ذلك، من البخل أو الشح أو الجبن، أو حب الفخر أو حب الرياسة, ولذلك قال عليه الصلاة والسلام -أيضاً- في الحديث الثابت، لما فتح مكة قال: {من دخل دار أبي سفيان فهو آمن} وكان تعليل ذلك بأن أبا سفيان رجل يحب الفخر, كما قال العباس رضي الله عنه وأرضاه.
ولا شك أن الإسلام يهذب هذه الطباع، كما هذَّب أبا سفيان فأصبح المؤمن الباذل المجاهد, ولكننا نلحظ في واقع الناس تفاوتاً كبيراً, وعقبات سَبَبُها نفس الإنسان التي بين جنبيه, قد يهم الإنسان -مثلاً- بالإنفاق في سبيل الله, وبذل ما يملك في وجوه الخير، من مساعدة المحتاجين، أو دعم المجاهدين, أو القيام على المشاريع الخيرية أو سواها، فيحول دونه ودون هذا طبيعة البخل والشح الموجودة في نفسه، والتي تجعل يده تكف كلما همّ بالبذل والإنفاق, حتى كأنما هي مثقلة بقيود الحديد.
وقد يهم آخر بأن ينطلق لميدان الدعوة إلى الله عز وجل, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والتعليم والتعلم, فلا يكاد يبدأ بذلك حتى تخرج عنده طبيعة، وهي غلبة حب الراحة والكسل والخمول، فتقعده عن هذا المجال وتؤخره عنه.
وقد يوجد عند بعض الناس في طبيعته شيء من العجب والكبر والخيلاء وحب الفخر, فتجد هذا الإنسان لا ينشط إلا في المجالات التي يكون فيها فرصة للظهور والشهرة والبروز, فإذا قام بعمل من أعمال الخير، كقيام الليل -مثلاً- أو قراءة القرآن، أو الصلاة أو ما أشبه ذلك؛ بدأ هذا الشعور يحاول أن يجد مكانه في قلبه، إذا صلى فرآه أحد قالت له نفسه: لقد رآك فلان وسوف يحسن الظن بك، ويدري أنك إنسان صالح محافظ على العبادات, وإذا سمع أحد صوته وقراءته أو إنفاقه في سبيل الله؛ ثارت في نفسه مثل هذه المشاعر وربما تغلبت عليه!! وبعض الناس قد يكون لديهم عقد نفسية، مشاكل نفسية؛ إما بسبب تأثير البيئة التي عاشوا فيها، أو بسبب ظروف معينة مروا بها، أو بسبب انحراف وقع فيه بعضهم لفترة معينة ثم خرج منه, فترك هذا الانحراف أثره في نفسه, فهذه العقد النفسية لا يكاد الإنسان يتخلص منها بسهولة, وتظل تشده إلى الوراء, وقد يصاب من وراء ذلك بأنواع من الوساوس والأفكار والهواجس، إذا هم بالتوجه إلى عمل الخير, فربما يؤثر عدم الإكثار من الطاعات للسلامة من ذلك.
هذه العوائق النفسية -أيها الإخوة- هي أول ما يواجه الإنسان, لأن بقية العوائق من خارج النفس, لكن هذا العائق من الداخل، ولذلك إذا استطاع الإنسان أن يتغلب على نفسه؛ فهو أقدر على أن يتغلب على العوائق الأخرى, وكثير من الإخوة -وخاصة الشباب ذكوراً وإناثاً- يشتكون من مثل هذه الأشياء, ولكن يبحثون عن الطريق, وكأني ببعض الإخوة والأخوات يتصورون أن الطريق سهل ومفروش بالورود, وأقول: إن أعظم معالجة ومجاهدة يتطلبها السير في طريق الإسلام هي: