وهذا يفسر لنا -أيها الإخوة- عدداً من الأمور؛ أولاً: ما نلاحظه من حرص أعداء الإسلام -في القديم والحديث- على ألا يصل صوت الإسلام إلى الناس, لأن صوت الحق مهما كان ضعيفاً فإنه يجد في داخل الإنسان تحركاً واستجابة.
ولذلك لما جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى مكة، كما في الصحيح؛ ما زال القرشيون يفتلونه في الذروة والغارب؛ حتى أقنعوه بأن يضع في أذنيه قطناًَ؛ لئلا يسمع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم, فلما جاء إلى الكعبة ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ رجع على نفسه باللائمة وقال: لعمرك إنك رجل لبيب عاقل، فما يضيرك أن تسمع منه، فإن كان حقاً قبلته وإن كان باطلاً رددته.
فسمع فأسلم.
وقد حكى لنا الله عز وجل عن أولئك القوم من الجن، الذين استمعوا إلى قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم، في واد بين مكة والطائف، لما رفضه أهل الطائف وردوا دعوته؛ خرج مهموماً محزوناً عليه الصلاة والسلام, حتى إذا كان ببطن نخلة جلس يصلي ويتلو القرآن, فصرف الله إليه نفراً من الجن من نصيبين، فماذا كانت النتيجة حين سمعوا هذا القرآن؟! قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف:29] .
هذا هو السر (أنصتوا) مَنْ أنصت وجد الهداية في قلبه, ولهذا قال الله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29] بمجرد أن سمعوا آيات محدودة معدودة من القرآن الكريم؛ رجعوا ليسوا مسلمين فقط، بل منذرين ودعاة إلى قومهم.