ثم تنتقل إلى بلاد العروبة والإسلام؛ فتجد أن اليهود الذين استطاعوا أن يتعاملوا مع المتطرفين منهم بطريقةٍ صحيحة, والنصارى الذين استطاعوا أن يتعاملوا مع المتطرفين منهم بطريقةٍ صحيحة هؤلاء وأولئك يحرضون المسلمين على أن يضرب بعضهم بعضًا, ويقتل بعضهم بعضًا, ويسجن بعضهم بعضًا, وأنه لا مكان لهؤلاء المتطرفين إلا السجون والمعتقلات, ومقاصل الإعدام, والقضاء عليهم, ومحاولة الحيلولة بينهم وبين المجتمع, إنه تدميرٌ لمجتمعات عربية وإسلامية بأكملها, بتأييدٍ من أولئك، من اليهود ومن النصارى.
ثم ليست القضية قضية متطرفين، فنحن نعلم كما أن عند اليهود، وعند النصارى متطرفين؛ يوجد عند المسلمين غلاة, وهذا معروفٌ من فجر التاريخ, كالخوارج مثلاً، الذين وجدوا حتى في أفضل العصور، وجدوا في عصر الصحابة رضي الله تعالى عنهم, وهو يوجدون اليوم, ولكنهم قلةٌ لا يُعبأ بهم, وإنما الأكثرية الساحقة من المتدينين هم من أهل الاعتدال، والتدين الموزون, والفكر المتعقل, والنظرة الهادئة, وإنما حاولوا تعميم هذا اللفظ؛ فأصبح كل متدين في نظر الإعلام العالمي والعربي -في كثيرٍ من الأحيان- يوصف بأنه متطرف أو أصولي, وفي بعض البلاد يكفي أن تعفي اللحية، أو أن تتردد على المساجد لتوصف وتصنف ضمن المتطرفين, ثم تكون عرضةً لكل ما يتعرضون له هم من الأشياء, وشوه الإعلام هذه الصورة عند الناس.
هاهنا أنتقل إلى الهدف الذي أقصد إليه الآن في هذه الكلمة, وهو: مجتمعنا -بحمد الله- أستطيع أن أقول: إنه يخلو من هذه النوعية, وإلا فعلى أقل تقدير أن هذه النوعية لازالت نوعية قليلة، لا يكاد يعلم أو يسمع بها أحد, وفيما يتعلق بمشاهدتي في الشخصية؛ فإنني على صلةٍ واسعة بقطاعٍ عريض من هذا المجتمع, سواءً من المتدينين, أو من الشباب الملتزمين أو من غيرهم.
وليس في منطقةٍ خاصة، بل في كل مناطق هذه البلاد, وأشهد بالله تعالى؛ أنني لم أر طيلة هذه الفترة شابًا أستطيع أن أقول عنه إنه يحمل فكرًا من أفكار الغلاة, أو من يصح أن يسموا بأنهم متطرفون أو أصوليون أو إرهابيون أو ما أشبه ذلك.