قال تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45] أي هذه هي مهمتك، فهذا كقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21] أو قوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد:7] وقوله: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48] أو قوله: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النحل:35] إلى غير ذلك من الآيات، فحصر مهمة الرسول بالدعوة، قد يموت الرسول أو الداعية ولم يستجب له أحد، ولم يغير من الواقع شيئاً يذكر، والنبي يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، والنبي يأتي ومعه الرجل والرجلان فهذا لا يعني أنه فشل.
إن نجاحه في قيامه بما أوكل الله تعالى إليه، فإذا قام بدعوته فسواء استجاب الناس أو ردوا، صدقوا أو كذبوا، استطاع الرسول أن يقيم له دولة ودعوة وأن يتبعه الناس، وأن يتغلب على أعدائه فهذا من فضل الله، وإن لم يستطع فهذا قضاء الله وقدره، والدنيا ليست مقياساً، ولهذا الله تعالى في هذا الموضع وقبله أيضاً يقول: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [ق:41] .
هب أنك قضيت دنياك كلها شريداً طريداً لم تقبل دعوتك فالأمر يسير، انتظر قليلاً، وتسمع المنادي ينادي من مكان قريب، وفي زمان قريب أيضاً، أو يسمعون الصيحة بالحق ويخرجون من الأجداث سراعاً، وحينئذ يتبين الحق من الباطل، فالدنيا ليست دار قرار، وإنما هي دار ابتلاء واختبار، أما التمحيص والتمييز وظهور الحق الواضح، فهذا يوم القيامة، أما في الدنيا فقد يلتبس الأمر على الناس، وقد يغلب الحق وينتصر الباطل، وقد يكون صاحب الحق شريداً، وقد يكون أسيراً، وقد يكون سجيناً، وقد يكون مؤذى، وقد يكون وحيداً فريداً لا يتبعه أحد، وهذا لا يضره.
إذاً لا يعرف الحق بغلبته وانتصاره وكثره أتباعه، إنما يعرف بعلاماته وأماراته، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.