{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:43-45] في الآية الأخيرة في قوله عز وجل: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق:45] قوله: (بجبار) معناها أي: تجبرهم على الإيمان، فعلى هذا يكون المعنى، كقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] وكقوله تعالى في موضع آخر: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22] فمهمة الرسول تتلخص في النذارة، والتذكير فقط، والتبليغ، أما اهتداء الناس أو عدمه فهذا ليس شأنك، إنما هو شأن رب العالمين: قال تعالى: {لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} [الرعد:31] وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام:107] وقال: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48] فها هنا قال: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق:45] وفي ذلك تسلية للداعية، لأن المؤمن ربما لشدة غيرته وفرط حماسه وإشفاقه عليهم، يصبه من ذلك هم شديد، ويحزن فيرى أن يدعوهم إلى النجاة، ويدعونه إلى النار، ومع ذلك يواجهونه بالكيد والحرب، والتكذيب وغير ذلك.
فالله تعالى يقول: لا تحزن عليهم: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3] وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] لا تحزن، وقال: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر:8] ما عليك إلا مهمة إذا قمت بها فنم قرير العين، هذه المهمة هي أن تدعوهم إلى الله عز وجل.