ولا شيء يقوي صبر الإنسان مثل أن يستمد العبد العون من ربه جل وعلا؛ لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ولهذا قال هنا: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [ق:39] فليس صبرك أنت لأنك مجبول على القوة، ولا لأنك إنسان حديدي -كما يقولون- ولا لغير ذلك، بل الصبر منحه من الرب جل وعلا، فإذا استعان الإنسان بربه، وأكثر من ذكره، أعانه الله تعالى ورزقه الصبر، ولهذا قال بعدما أمر بالصبر: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:39-40] وقبل طلوع الشمس المقصود به صلاة الفجر، وقبل الغروب: صلاة العصر، ومن الليل فسبحه: المقصود الثلث الأخير من الليل، والعشاء والمغرب فإنهما في الليل وقيام الليل هذا ذكر وتسبيح.
ولا شك أن أعظم الذكر هو أداء الفرائض، كمافي الحديث: {وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه} وتدخل في ذلك النوافل -أيضاً- كقيام الليل، والوتر، والسنن الرواتب وغيرها، وأدبار السجود المقصود به تسبيح الله أدبار السجود أي: بعد الصلوات المفروضة.
هناك جواب ثانٍ: هو أننا حين نقول أدبار الصلوات المكتوبات فهل بالضرورة إنه بعد الصلاة؟ لا.
بل حتى في صلب الصلاة في آخرها، ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول: دبر كل صلاة مكتوبة، كما جاء في أحاديث وليس بالضرورة بعد السلام، يمكن أن يقول قبل السلام في آخر الصلاة، فهذا من أدبار السجود، وكذلك الذكر الذي يقال بعد السلام هذا من أدبار السجود، ففيه الأمر بذكر الله تعالى في آخر الصلاة أيضاً، فكل هذه وغيرها مواضع يذكر العبد فيها ربه، ويسبحه، ويستعين به على الصبر على أمر الدعوة.
وأنت تجد الآن في هذه الآية أن الله تعالى أمر بالصبر، وأمر بالتسبيح، فها هنا تبين لك أن العبادة في الإسلام ليست أمراً منفصلاً عن طلب العلم، والدعوة، والتعليم، والجهاد في سبيل الله.
اليوم قد تجد من المسلمين من يتعب، ويقوم الليل، ويصوم النهار، ولكن لا يغار على حرمات الله، ولا يهتم بأمر المسلمين، ولا يدعو إلى الله، بل -وأعرف حالات من هذا القبيل- قد يكون أولاده في منزله على حال لا ترضي الله، ولا يأمرهم ولا ينهاهم، وهو من أهل قيام الليل، فانفصل عنده معنى العبادة عن (معنى الشعائر التعبدية) عن معنى الدعوة إلى الله، مع أنه بالنسبة للصحابة لم يكن هناك فاصل.
الصحابة رضي الله عنهم ليس عندهم هذه التقسيمات فهم يعبدون الله بالدعوة، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثلما يعبدوا الله بقراءة القرآن، والذكر؛ لكن المتأخرين آثروا الأعمال اليسيرة التي لا مشقة فيها لأنه لا أحد يمنعهم من الذكر، حتى كفار قريش أذنوا لـ أبي بكر أن يعبد ربه في داره ولا يستعلن بذلك، كما هو معروف في صحيح البخاري لكن لو أن أبا بكر مشى في السوق وقال: {يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا} فلن تسمح له قريش، فبالنسبة للمسلم الحق ليس عنده انفصال بين الشعائر التعبدية التي يتقوى بها على الصبر، وبين الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، إذاً من أقوى وسائل الصبر الاستعانة بالله عز وجل.