أهمية الصبر للداعية ووسائله

قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:40] .

قوله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [ق:39] وهذا فيه تصبير، وتثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم على ما يلقاه من أذى قريش وتكذيبهم، وتعزية للرسول عليه الصلاة والسلام، وفيه بيان أن الداعية لا بد أن يواجه من أسرى أنفسهم، وشهواتهم، وحدود زمانهم ومكانهم العناد والتكذيب، فلا بد له من الصبر، ومن لم يصبر لا يدعو أبداً، لأنه سيجد ما يثبطه ويقعد عزيمته.

فالناس يقولون له: يا فلان! لماذا أنت تخالف واقعك الذي تعيش فيه؟ ولماذا تتمرد على زمانك؟ ويظلون يحاربونه حتى يقعد إذا لم يصبر، ولهذا أوصى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر في آيات كثيرة، منها قوله تعالى هنا: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [ق:39] وهناك آيات أخرى كثيرة أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم فيها بالصبر: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل:10] وقال أيضاً: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:7] وقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [الكهف:28] وقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127] وقال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم:60] وقال في مواضع: {وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} [مريم:65] وقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] الداعية الذي لا صبر له لا يمكن أن يستمر على دعوته، لأن من طبيعة الدعوة أن تواجه الناس بما لم يألفوا، ولم يعرفوا، فستجد من يقول: لست بملزم، دع هذه الأمور التي تشغل نفسك بها، وستجد من يخطئك على هذا الشيء الذي تقول، وستجد من يعارضك، وستجد من يؤذيك، بل ستجد حتى ممن يحبك من يشفق عليك فيقول لك: لا تعرض نفسك للأذى، والزوجة تقول: لمن تركتنا؟! والولد يقول: لا تدعنا؟! والأم تعرب عن خوفها وقلقها عليك! والقريب وهكذا! فستجد من القريب والبعيد من يحاول أن يثنيك عن طريقك، فإن لم يتذرع الإنسان بالصبر فلا يمكن أن يدعو إلى الله تعالى حقاً، والصبر نفسه يحتاج إلى صبر؛ لأن الواحد قد يصبر أو تصبر يوماً، أو يومين، أو شهر أو شهرين، لكن إذا كثر الطَّرْق عليه تراجع وأثّر هذا فيه ضعفاً وقعوداً، وتركاً للدعوة إلى الله تعالى، أو طلب علم، أو التعليم، أو الجهاد في سبيل الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015