يقول الله تعالى: (وجاءت) وهنا يلاحظ مسألة المفاجأة، وهنا الكلام عن خلق الإنسان، والعلم بما يوسوس، وقرب الله تعالى منه والملائكة الذين عن يمينه وعن شماله، بعد ذلك تجد مفاجأة: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق:19] هكذا بهذه السرعة!! ففي ذلك دليل على قصر الحياة وسرعة زوالها، وأن الموت في الغالب يفاجأ الإنسان، وحين نقول، يفاجئه لا يعني بالضرورة موت الفجأة الذي يأتي للإنسان وهو صحيح شحيح فيموت في لحظة، في حادث سيارة مثلاً، أو بالسكتة القلبية! ليس هذا شرط، بل حتى الذي مات بمرض قد يكون مرضه استغرق أسبوعاً أو شهراً؛ لكنه كان يتوقع أنه يعيش زماناً طويلاً، ولذلك قد مد حبالاً طوالاً؛ فهذه العمارة تعمر، وعنده مشاريع طويلة، وعنده أشياء، ولهذا تجد الإنسان أحياناً يبرم عقوداً عجيبة فيتصبر بيتاً لمدة مائة سنة وشيء، أو مائتي سنة وشيء، وأكثر من هذا، هكذا الإنسان يظن أنه خالد، أو معمر في هذه الدنيا، فيأتي النص القرآني: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق:19] وفي ذلك دليل على ما يعانيه الإنسان عند الموت من الشدائد، والأهوال، يبين هذا في قوله: (سَكْرَةُ) فهي صحوة من حيث أن الإنسان عقل ما لم يكن يعقل، لكن الله تعالى سمَّاها سكرة لشدة ما يعانيه الإنسان، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول وهو في مرض الموت: {إن للموت لسكرات، ويمسح العرق عن جبينه، وكان يضع خميصة على وجهه يتغطى بها، فإذا اغتم وثقل نفسه كشفها، حتى رأت فاطمة ما يعانيه، فقالت: واكرب أبتاه! فقال: ليس على أبيك كرب بعد اليوم} فالموت كربة تهون عندها كل كرب الدنيا، فأين الملُك والجاه والمال والسلطان من إنسان مثل الفأر في المصيدة، قد قبض عليه والآن تنزع روحه؟!