إحصاء الله لكل شيء

ثم قال: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:16] والمقصود من هذا العلم أولاً: إثبات العلم لله عز وجل لا شك، فالله تعالى عليم يعلم كل شيء، حتى مجرد الوسوسة التي في النفس، والتي قد يكون الإنسان نفسه -أحياناً- غافلاً عنها، فقد يسرح الإنسان في وسوسة أو تفكير وهو شارد الذهن، لكن ربك يعلم سبحانه، لكن المقصود مع العلم -أيضاً- كتابة هذا العلم: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12] في لوح محفوظ، وقال تعالى عن الكفار: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49] وقال: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} [النبأ:29] يعني: مكتوباً، والعلم والكتابة هي من أجل الجزاء والحساب، ليقال له: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] .

إذاً قوله: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:16] إشارة إلى أن كل شيء محصى على الإنسان للجزاء الأخروي، وهنا تبرز لك قضية البعث، أن خلق الإنسان والعلم به لكتابة ذلك ومواجهته به يوم القيامة ومجازاته عليه، إذاً رجعنا إلى قضية البعث والكلام فيها تفصيلاً، قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] بعلمه تعالى، وبملائكته، وبإحاطته، وبعظمته، هو أقرب إلى الإنسان من حبل وريده.

قال تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:17-18] نموذج تفصيلي للعلم، ملكان عن اليمين وعن الشمال، أحدهما للحسنات والآخر للسيئات، ما يلفظ من قول يقوله الإنسان إلا لديه هذا الرقيب العتيد الحاضر المهيأ الذي مهمته أن يكتب، لذلك بعض الناس يقول: الكلام يطير به الهواء، الواقع أن الكلام لا يطير به الهواء بل هو محفوظ مضبوط، وبعض الناس يسترسل في الكلام في الهاتف، ويقول لك: يا أخي! الهاتف الآن بالمجان، نسي أن هناك رقيباً وعتيداً: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] أنسيت هذا! فحفظت القضية الدنيوية ونسيت القضية الأخروية، هو مسجل عليك مثل فواتير الدنيا، وإن كان الأمر مختلفاً، وتواجه وتجازى به يوم القيامة.

وقد اختلف السلف في أمر الكتابة، فقال بعضهم: يكتب كل شيء ثم يمحو الله تعالى ما يشاء، ويبقى ما يجازى عليه الإنسان من خيرٍ أو شر، وهذا هو الصحيح، حتى الكلام العادي يكتب، مثل: ذهبت، وجئت مما ليس فيه إثم ولا بر، وقال بعضهم: لا يكتب إلا الخير أوالشر، والواقع أن كل شيء يكتب لأنه قال: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015