ولذلك بعد أن ساق الله تعالى أدلة عقلية، وأدلة نقلية على ثبوت البعث ذكر الله عز وجل تفاصيل البعث وما يجرى فيه؛ من أجل أن يتحول هذا الإيمان إلى يقين في القلب، وعادةً أن الإنسان إذا سمع التفاصيل يتأثر أكثر مما يتأثر بالإجمال، فأنت مثلاً لو قيل لك: إنه حصل في بلد كذا وكذا مذبحة عظيمة راح ضحيتها عشرات الآلاف، قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ لكن لو أن إنساناً شاهد عيان، جاء أمامك، وبدأ يتكلم لك عن الفظائع تفصيلاً فقال لك: رأيت امرأة بقر بطنها، ورأيت صبياً قطعت أطرافه، ورأيت شيخاً كبيراً ذبح كما تذبح الشاة، ورأيت، ورأيت، وأصبح يحدثك عن الفظائع بالتفصيل، تجد أنه يصيبك من الانفعال والدهشة والتأثر شيء عظيم لم يكن حصل لك من الخبر الإجمالي، بل ربما يزيد؛ فقد يفلح الإنسان في لفت نظرك إلى قتل عشرة أشخاص لأنه أعطاك تفاصيلاً أكثر مما يهزك مقتل عشرة آلاف لم تأخذ عنهم تفصيلاً وإنما أخذت الخبر الإجمالي، فالتفصيل عادةً له تأثير في النفوس، ولهذا ذكر الله تعالى في هذه الآيات تفصيل الأمر من بداية الدنيا إلى نهايتها، من أجل أن تعلم أن مسألة البعث هي المقصود الأساسي من الخلق كله، فابن آدم لم يخلق ليعيش في الدنيا، لكن خلق من أجل الدار الآخرة، كما قال بعض السلف: إن الله تعالى لم يخلق الإنسان للفناء، وإنما خلقه للبقاء، وإنما ينتقل من دار إلى دار، ولهذا بدأ هنا بالخلق فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ} [ق:16] منذ خلق آدم (الإنسان الأول) وعبر الأجيال كلها.